[٦١٧] فإن قيل : كيف قال الأخ المؤمن لأخيه (لكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً) [الكهف : ٣٨] وهذا تعريض بأن أخاه مشرك وليس في كلام أخيه ما يقتضي الشرك بل الكفر وهو قوله (وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً) [الكهف : ٣٦]؟
قلنا : إشراك أخيه الذي عرض له به هو اعتقاده أن زكاة جنته ونماءها بحوله وقوته ، ولهذا قال له : (وَلَوْ لا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ) [الكهف : ٣٩] ولهذا قال هو أيضا لما أصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها وهي خاوية على عروشها (يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً) [الكهف : ٤٢] فاعترف بالشرك.
[٦١٨] فإن قيل : ما فائدة أنا في قوله : (إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَ) [الكهف : ٣٩]؟
قلنا : أنا في مثل هذا الموضع تفيد حصر الخبر في المخبر عنه ، ومنه قوله تعالى : (إِنِّي أَنَا رَبُّكَ) [طه : ١٢] وقوله : (إِنِّي أَنَا اللهُ) [القصص : ٣٠] ونظائره كثيرة.
[٦١٩] فإن قيل : ما معنى قوله : (وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ) [الكهف : ٤٣] وكذلك كل ما أشبهه مما جاء في القرآن العزيز (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا) [مريم : ٨١] (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ) [الشورى : ٦] (وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) [البقرة : ١٠٧] وكيف تحقيق معناه؟
قلنا : «دون» يستعمل في كلام العرب بمعنى غير ، كقولهم : لفلان مال دون هذا ، ومن دون هذا ، أي غير هذا. ونظيره قوله تعالى : (وَلَهُمْ أَعْمالٌ مِنْ دُونِ ذلِكَ) [المؤمنون : ٦٣] أي من غيره ، وتستعمل أيضا بمعنى قبل ، كقولهم المدينة دون مكة ، أي قبلها ، ومن دونه خرط القتاد. ولا أقوم من مجلسي دون أن تجيء ، ولا أفارقك دون أن تعطيني حقي ، وما أعلم أنها جاءت في القرآن العزيز بمعنى قبل بل بمعنى غير فقط.
[٦٢٠] فإن قيل : كيف قال : (هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِ) [الكهف : ٤٤] يعني في يوم الآخرة أو في يوم القيامة ، والولاية بكسر الواو السلطان والملك ، وبفتح الواو التولي والنصرة ، وكل ذلك لله تعالى في الدنيا والآخرة يعز من يشاء ويذل من يشاء ، وينصر من يشاء ، ويخذل من يشاء ، ويتولى من يشاء بحراسته وحفظه ، فما فائدة تخصيص يوم القيامة؟
قلنا : فائدته أن الدعاوى المجازية كثيرة في الدنيا ويوم القيامة تنقطع كلها ، ويسلم الملك لله تعالى عن كل منازع ، وقد سبق نظير هذا السؤال في سورة الأنعام في قوله تعالى : (قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) [الأنعام : ٧٣].