[٦٢١] فإن قيل : كيف قال تعالى : (هُوَ خَيْرٌ ثَواباً وَخَيْرٌ عُقْباً) [الكهف : ٤٤] أي عاقبة ، وغير الله تعالى لا يثيب ليكون الله خيرا منه ثوابا؟
قلنا : هذا على الفرض والتقدير معناه : لو كان غيره يثيب لكان ثوابه أفضل ، ولكانت طاعته أحمد عاقبة وخيرا من طاعة غيره.
[٦٢٢] فإن قيل : كيف قال الله تعالى : (وَحَشَرْناهُمْ) [الكهف : ٤٧] بلفظ الماضي وما قبله مضارعان وهو قوله تعالى : (وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً) [الكهف : ٤٧] أي لا شيء عليها يسترها كما كان في الدنيا؟
قلنا : للدلالة على أن حشرهم كان قبل التسيير وقبل البروز ليعاينوا تلك الأهوال والعظائم كأنه قال : وحشرناهم قبل ذلك.
[٦٢٣] فإن قيل : كيف قال تعالى : (ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها) [الكهف : ٤٩] مع أنه أخبر أن الصغائر تكفر باجتناب الكبائر بقوله تعالى : (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) [النساء : ٣١]؟
قلنا : الآية الأولى في حقّ الكافرين بدليل قوله تعالى : (فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ) [الكهف : ٤٩] والمراد بهم هنا الكافرون ، كذا قال مجاهد ، وقال غيره : كل مجرم في القرآن فالمراد به الكافر ، والآية الثانية المراد بها المؤمنون ؛ لأن اجتناب الكبائر لا يكون متحققا مع وجود الكفر.
الثاني : لو ثبت أن المراد بالمجرم مطلق المذنب لم يلزم التناقض لجواز أن تكتب الصغائر ليشاهدها العبد يوم القيامة ثم تكفر عنه فيعلم قدر نعمة العفو فإن أكثر ذنوب العبد ينساها خصوصا الصغائر.
[٦٢٤] فإن قيل : قوله تعالى : (إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِ) [الكهف : ٥٠] يدل على أنه من الجن وقوله تعالى في موضع آخر : (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ) [الكهف : ٥٠] يدل على أنه من الملائكة ، فكيف الجمع بينهما؟
قلنا : فيه قولان :
أحدهما : أنه من الجن حقيقة عملا بظاهر هذه الآية ، ولأن له ذرية قال تعالى : (أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي) [الكهف : ٥٠] والملائكة لا ذرية لهم ، ولأنه أكفر الكفرة وأفسق الفسقة ، والملائكة معصومون عن الكبائر لأنهم رسل الله ، وعن المعاصي مطلقا لأنهم عقول مجردة بغير شهوة ، ولا معصية إلا عن شهوة ، ويؤيده قوله تعالى : (لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) [التحريم : ٦] وقال تعالى : (وَمَنْ عِنْدَهُ) [الأنبياء : ١٩] يعني الملائكة : (لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ يُسَبِّحُونَ