بتكذيب المشركين في دعوى عبادتهم ، فلا تناقض بين المنفي والمثبت.
[٦٢٧] فإن قيل : كيف قال تعالى : (شُرَكائِيَ) [الكهف : ٥٢] وقال في سورة النحل (شُرَكاءَهُمْ) [النحل : ٨٦]؟
قلنا : قوله تعالى : (شُرَكائِيَ) [الكهف : ٥٢] معناه في زعمكم واعتقادكم ، ولهذا قال : (شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ) [الكهف : ٥٢] وأخرجه مخرج التهكم بهم ، كما قال المشركون للنّبيّ صلىاللهعليهوسلم : (يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ) [الحجر : ٦] وقوله تعالى : (شُرَكاءَهُمْ) [النحل : ٨٦] يعني آلهتهم التي جعلوها شركاء ، فإضافتها إلى الله تعالى لجعلهم إياها شركاء ، والإضافة تصح بأدنى ملابسة لفظية أو معنوية فصحت الإضافتان.
[٦٢٨] فإن قيل : كيف قال تعالى : (نَسِيا حُوتَهُما) [الكهف : ٦١] والناسي إنما كان يوشع وحده بدليل قوله لموسى عليه الصلاة والسلام معتذرا (فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ) [الكهف : ٦٣] أي قصة الحوت وخبره (وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ) [الكهف : ٦٣]؟
قلنا : أضيف النسيان إليهما مجازا ، والمراد أحدهما. قال الفراء : نظيره قوله تعالى : (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ) [الرحمن : ٢٢] وإنما يخرج من الملح لا من العذب.
وقيل : نسي موسى عليهالسلام تفقد الحوت ونسي يوشع أن يخبره خبره ، وذلك أنه كان حوتا مملوحا في مكتل قد تزوّداه ، فلما أصابه من ماء عين الحياة رشاش حيى وانسل ، وكان قد ذهب لقضاء حاجة فعزم يوشع أن يخبره بما رأى من أمر الحوت ، فلما جاء موسى نسي أن يخبره ، ونسي موسى تفقد الحوت والسؤال عنه.
[٦٢٩] فإن قيل : هذا التفسير يدل على أن النسيان من يوشع أو منهما كان بعد حياة الحوت وذهابه في البحر ، وظاهر الآية يدل على أنّ النسيان كان سابقا على ذهابه في البحر متصلا ببلوغ مجمع البحرين لقوله تعالى : (فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما نَسِيا حُوتَهُما فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً) [الكهف : ٦١].
قلنا : في الآية تقديم وتأخير تقديره : فلما بلغا مجمع بينهما اتخذ الحوت سبيله في البحر سربا فنسيا حوتهما.
[٦٣٠] فإن قيل : كيف نسي يوشع مثل هذه الأعجوبة العظيمة في مدة يسيرة ؛ بل في لحظة ؛ واستمر به النسيان يومه ذلك وليلته إلى وقت الغداء من اليوم الثاني ؛ ومثل ذلك لا ينسى مع تطاول الزمان كيف وقد كان الله تعالى جعل فقدان الحوت علامة لهما على وجدان الخضر عليهالسلام ، على ما نقل أن موسى عليهالسلام سأل الله تعالى علامة على موضع وجدانه ، فأوحى إليه أن خذ معك حوتا في مكتل فحيثما فقدت الحوت فهو ثم؟
قلنا : سبب نسيانه أنه كان قد اعتاد مشاهدة المعجزات من موسى عليهالسلام