[٦٧٣] فإن قيل : كيف زاد موسى على حرف الجواب وليس ذلك من شيمة البلغاء خصوصا في مخاطبة الملك الأعلى؟
قلنا : قال ابن عباس رضي الله عنهما إنه لما قال عصاي سئل سؤالا ثانيا ، فقيل ما تصنع بها؟ فأجاب بباقي الآية.
الثاني : أنه إنما عدد فوائدها وبين حاجته إليها خوفا من أن يؤمر بإلقائها كما أمر بإلقاء النعلين!!
الثالث : أنه ذكر ذلك لئلا ينسب إلى العبث في حملها.
[٦٧٤] فإن قيل : قد نقل أنها كانت تضيء له بالليل وتدفع عنه الهوام ، وتثمر له إذا اشتهى الثمار فيغرسها في الأرض فتثمر من ساعتها ، ويركزها فينبع الماء من مركزها ، فإذا رفعها نضب ، وكان يستقي بها فتطول بطول البئر وتقصر بقصرها ، فهلا عدد هذه المنافع.
قلنا : كره أن يشتغل عن سماع كلام الله تعالى بتفصيل منافعها ، ففصل البعض وأجمل الباقي بقوله : (وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى) [طه : ١٨] والله أعلم بما أجمله.
الثاني : أنه ذكر المنافع التي هي ألزم له وحاجته إليها أمس ، وإن كانت المنافع التي أجملها أعجب وأغرب.
[٦٧٥] فإن قيل : قد ذكر الله تعالى عصا موسى عليهالسلام بلفظ الحية والثعبان والجان ، وبين الثعبان والجان تناف ؛ لأن الجان الحية الصغيرة كذا قاله ابن عرفة ، والثعبان الحية العظيمة ، كذا نقله الأزهري عن الزجاج وقطرب.
قلنا : أراد أنها في صورة الثعبان العظيم وخفة الحية الصغيرة وحركتها ويؤيد قوله : (فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌ) [النمل : ١٠].
الثاني : أنها كانت في أوّل انقلابها تنقلب حية صغيرة صفراء دقيقة ثم تتورم ويتزايد جرمها حتى تصير ثعبانا ، فأريد بالجان أول حالها ، وبالثعبان مآلها.
__________________
[٦٧٥] ابن عرفه : لعلّ المراد هو علي بن المظفر بن إبراهيم الكندي الوداعي ، علاء الدين ، ويقال له ابن عرفة. أديب وشاعر. له علم بالحديث والقراءات. ولد سنة ٦٤٠ ه وتوفي ٧١٦ ه بدمشق. وأصله من مصر. من مؤلفاته : التذكرة الكندية ، وديوان شعر.
ـ قطرب : هو محمد بن المستنير بن أحمد أبو علي ، الشهير بقطرب. نحوي وأديب ولغوي ، بصري معتزلي. توفي سنة ٢٠٦ ه ، أخذ عن سيبويه. من مؤلفاته : المثلث ، معاني القرآن ، النوادر ، الأزمنة ، الأضداد ، ما خالف فيه الإنسان البهيمة من الوحوش وصفاتها ، الخ.