والنار كما قال تعالى : (وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ) [الرحمن : ١٥] وكذا آدم مخلوق من التراب وناقة صالح مخلوقة من الحجر؟
قلنا : المراد به البعض وهو الحيوان كما في قوله تعالى : (وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) [النمل : ٢٣] وقوله تعالى : (وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ) [يونس : ٢٢] ونظائره كثيرة.
الثاني : أن الكل مخلوقون من الماء ، ولكن البعض بواسطة والبعض بغير واسطة ، ولهذا قيل إنه تعالى خلق الملائكة من ريح خلقها من الماء ، وخلق الجن من نار خلقها من الماء ، وخلق آدم من تراب خلقه من الماء.
[٦٩٩] فإن قيل : كيف قال تعالى : (فَلا تَسْتَعْجِلُونِ) [الأنبياء : ٣٧] بعد قوله : (خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ) [الأنبياء : ٣٧] وكأنه تكليف بما لا يطاق؟
قلنا : هذا كما ركب فيه الشهوة وأمره أن يغلبها ، لأنه أعطاه القدرة التي يستطيع بها قمع الشهوة وترك العجلة.
[٧٠٠] فإن قيل : كيف قال تعالى : (وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ إِذا ما يُنْذَرُونَ) [الأنبياء : ٤٥] ؛ مع أن الصمّ لا يسمعون الدّعاء إذا ما يبشرون أيضا؟
قلنا : اللام في الصم إشارة للمنذرين السابق ذكرهم بقوله تعالى : (قُلْ إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ) [الأنبياء : ٤٥] فهي لام العهد لا لام الجنس.
[٧٠١] فإن قيل : كيف قال إبراهيم صلوات الله عليه : (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا) [الأنبياء : ٦٣] أحال كسر الأصنام على الصنم الكبير ، وكان إبراهيم هو الكاسر لها؟
قلنا : قاله على طريق الاستهزاء والتهكم بهم ، لا على طريق الجد.
الثاني : أنه لما كان الحامل له على كسرها اغتياظه من رؤيتها مصفوفة مرتبة للعبادة مبجلة معظمة ، وكان اغتياظه من كبيرها أعظم لمزيد تعظيمهم له أسند الفعل إليه كما أسند إلى سببه ، وإلى الحامل عليه.
الثالث : أنه أسنده إليه معلقا بشرط منتف ، لا مطلقا ؛ تقديره : فعله كبيرهم هذا إن كانوا ينطقون فاسألوهم.
[٧٠٢] فإن قيل : كيف صح مخاطبة النار بقوله تعالى : (قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ) [الأنبياء : ٦٩] والخطاب إنما يكون مع من يعقل؟
قلنا : خطاب التحويل والتكوين لا يختص بمن يعقل ، قال الله تعالى : (يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ) [سبأ : ١٠] وقال تعالى : (فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً) [فصلت : ١١] وقال تعالى : (وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ) [هود : ٤٤].
[٧٠٣] فإن قيل : كيف وصف الله تعالى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بكونهم