قلنا : فائدته الدلالة على أن أمر النظر أوسع من أمر الفرج ، ولهذا يحل النظر في ذوات المحارم والإماء المستعرضات إلى عدة من أعضائهن ، ولا يحل شيء من فروجهن.
[٧٣٨] فإن قيل : ما حكمة ترك الله ذكر الأعمام والأخوال في قوله تعالى : (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَ) يعني الزينة الخفية (إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَ) [النور : ٣١] الآية ، وهم من المحارم وحكمهم حكم من استثنى في الآية؟
قلنا : سئل الشعبي عن ذلك فقال : لئلا يصفها العم عند ابنه وهو ليس بمحرم لها ، وكذا الحال فيفضي إلى الفتنة ، والمعنى فيه أن كل من استثنى يشترك هو وابنه في المحرمية ، إلا العم والخال ، وهذا من الدلالة البليغة على وجوب الاحتياط في سترهن. ولقائل أن يقول : هذه المفسدة محتملة في آباء بعولتهن ، لاحتمال أن يذكرها أبو البعل عند ابنه الآخر ، وهو ليس بمحرم لها ، وأبو البعل أيضا نقض على قولهم إن كل من استثني يشترك هو وابنه في المحرمية.
[٧٣٩] فإن قيل : كيف قال تعالى : (وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً) [النور : ٣٣] مع أن إكراههن على الزنا حرام في كل حال؟
قلنا : لأن سبب نزول الآية أن الجاهلية كانوا يكرهون إماءهم على الزنا مع إرادتهن التحصن ، فورد النهي على السبب وإن لم يكن شرطا فيه.
الثاني : أنه تعالى إنما شرط إرادة التحصن لأن الإكراه لا يتصور إلا عند إرادة التحصن ، لأن الأمة إذا لم ترد التحصن فإنها تزني بالطبع ؛ لأن إرادتها الجماع مستمرة في جميع الأحوال طبعا ، ولا بد له من أحد الطريقين.
الثالث : أن «إن» بمعنى إذ كما في قوله تعالى : (وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [البقرة : ٢٧٨] وقوله تعالى : (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [آل عمران : ١٣٩].
الرابع : أنّ في الكلام تقديما وتأخيرا تقديره : وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن أردن تحصنا ويبقى قوله : (وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ) [النور : ٣٣] مطلقا غير معلق.
[٧٤٠] فإن قيل : كيف مثل الله تعالى نوره ، أي معرفته وهداه في قلب المؤمن بنور المصباح في قوله تعالى : (مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ) [النور : ٣٥] ولم يمثله بنور الشمس ، مع أن نورها أتم وأكمل؟
قلنا : المراد تمثيل النور في القلب ، والقلب في الصدر ، والصدر في البدن