بالمصباح : وهو الضوء أو الفتيلة في الزجاجة ، والزجاجة في الكوة التي لا منفذ لها ، وهذا التمثيل لا يستقيم إلا فيما ذكر.
الثاني : أن نور المعرفة له آلات يتوقف على اجتماعها كالذهن والفهم والعقل واليقظة وانشراح القلب وغير ذلك من الخصال الحميدة ، كما أن نور القنديل يتوقف على اجتماع القنديل والزيت والفتيلة ، وغير ذلك.
الثالث : أن نور الشمس يشرق متوجها إلى العالم السفلي لا إلى العالم العلوي ، ونور المعرفة يشرق متوجها إلى العالم العلوي كنور المصباح.
الرابع : أن نور الشمس لا يشرق إلا بالنهار ونور المعرفة يشرق بالليل والنهار كنور المصباح.
الخامس : أن نور الشمس يعم جميع الخلائق ، ونور المعرفة لا يصل إليه إلا بعضهم كنور المصباح الموصوف.
[٧٤١] فإن قيل : إنه تعالى لم يمثله بنور الشمس لما ذكرتم فكيف لم يمثله بنور الشمع مع أنه أتم وأكمل وأشرق من نور المصباح؟
قلنا : إنما لم يمثله بنور الشمع لأن في الشمع غشا لا محالة بخلاف الزيت الموصوف ، ولو مثله تعالى بنور الشمع لتطاول المنافق المغشوش إلى استحقاق نصيب في المعرفة.
الثاني : أنه تعالى إنما لم يمثله بنور الشمع لأنه مخصوص بالأغنياء ، بخلاف نور المعرفة فإنه في الفقراء أغلب.
[٧٤٢] فإن قيل : التجارة تشمل الشراء والبيع ، فما فائدة عطف البيع عليها في قوله تعالى : (لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ) [النور : ٣٧].
قلنا : التجارة هي الشراء والبيع الذي يكون صناعة للإنسان مقصودا به الربح ، وهو حرفة الشخص الذي يسمى تاجرا ، والبيع أعم من ذلك. وقيل : المراد بالتجارة هنا مبادلة الآخرة بالدنيا ، كما في قوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ) [البقرة : ١٦] والمراد بالبيع مبادلة الدين بالدنيا كما في قوله تعالى : (فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ) [الجمعة : ٩]. وقيل : إنما عطف البيع على التجارة لأنه أراد بالتجارة الشراء إطلاقا لاسم الجنس على النوع. وقيل : إنما عطف عليها للتخصيص والتمييز من حيث أنه أبلغ في الإلهاء ؛ لأن البيع الرابح يعقبه حصول الربح ، بخلاف الشراء الرابح فإن الربح فيه مظنون مع كونه مترقبا منتظرا. وقيل : التجارة مخصوصة بأهل الجلب بخلاف البيع.