قلنا : المراد تشبيههم بالأنعام في الضلال عن فهم الحق ومعرفة الله تعالى بواسطة دعوة الرسول صلىاللهعليهوسلم.
الثاني : أن المراد تشبيههم في الضلال والعمى عن أمر الدين بالأنعام في ضلالها وعماها عن أمر الدين.
[٧٥٧] فإن قيل : إن كانوا كالأنعام في الضلال ؛ فكيف قال تعالى : (بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً) [الفرقان : ٤٤] وإن كانوا أضل من الأنعام فكيف قال تعالى : (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ) [الفرقان : ٤٤] وإن كانوا كالأنعام في الضلال وأضل منها أيضا فكيف يجتمع الوصفان؟
قلنا : المراد بقوله تعالى : (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ) [الفرقان : ٤٤] التشبيه في أصل الضلال لا مقداره.
والثاني : بيان لمقداره. وقيل : المراد بالأول التشبيه في المقدار أيضا ؛ ولكن المراد بالأول طائفة وبالثاني طائفة أخرى ، ووجه كونهم أضل من الأنعام أن الأنعام تنقاد لأربابها التي تعلفها وتتعهدها ، وتعرف من يحسن إليها ممّن يسيء إليها ، وتطلب ما ينفعها وتجتنب ما يضرها ، وهؤلاء لا ينقادون لربهم ولا يعرفون إحسانه إليهم من إساءة الشيطان الذي هو عدوهم ، ولا يطلبون الثواب الذي هو أعظم المنافع ، ولا يتقون العذاب الذي هو أشد المضار والمهالك ، ولا يهتدون للحق الذي هو المشرع الهني والعذب الرّوي.
[٧٥٨] فإن قيل : قوله تعالى : (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً) [الفرقان : ٤٨ ، ٤٩] كيف ذكر الصفة والموصوف مؤنث ولم يؤنثها كما أنثها في قوله تعالى : (وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ) [يس : ٣٣].
قلنا : إنما ذكرها نظرا إلى معنى البلدة وهو البلد والمكان لا إلى لفظها.
[٧٥٩] فإن قيل : قوله تعالى : (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَأَناسِيَّ كَثِيراً) [الفرقان : ٤٨ ، ٤٩] ، فإنزاله موصوفا بالطهورية ، وتعليل ذلك بالإحياء والسقي يشعر بأنّ الطهورية شرط في حصول تلك المصلحة ، كما تقول : حملني الأمير على فرس سابق لأصيد عليه الوحش وليس كذلك.
قلنا : وصف الطهورية ذكر إكراما للأناسي الذين شربهم من جملة المصالح التي أنزل لها الماء ، وإتماما للمنة والنعمة عليهم ، لا لكونه شرطا في تحقق تلك المصالح والمنافع ، بخلاف النظير فإنه قصد بكونه سابقا الشرطية ؛ لأن صيد الوحش على الفرس لا يتم إلا بها.
[٧٦٠] فإن قيل : كيف خص تعالى الأنعام بذكر السقي دون غيرها من الحيوان الصامت؟