يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ) [العنكبوت : ٢٠] وكان القياس كيف بدأ الله الخلق ثم ينشئ النشأة الآخرة؟
قلنا : إنما عدل إلى ما ذكر لتأكيد الإخبار عن الإعادة التي كانت هي المنكرة عندهم بالإفصاح باسمه تعالى في ذكرها وجعله مبتدأ لزيادة الاهتمام بشأنها؟
[٨٣٢] فإن قيل : كيف قال تعالى : (وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا) [العنكبوت : ٢٧] في معرض المدح أو في معرض الامتنان عليه ، وأجر الدنيا فإن منقطع ، بخلاف أجر الآخرة فإنه النعيم المقيم الباقي ، فكان الأولى بالذكر؟
قلنا : المراد به : وآتيناه أجره في الدنيا مضموما إلى أجره في الآخرة من غير أن ينقص من أجر الآخرة شيئا. قال ابن جرير : وإليه الإشارة بقوله تعالى : (وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) [العنكبوت : ٢٧] يعني له في الآخرة جزاء الصالحين وافيا كاملا. وأجره في الدنيا ، قيل : هو الثناء الحسن من الناس والمحبة من أهل الأديان. وقيل : هي البركة التي بارك الله فيه وفي ذريته.
[٨٣٣] فإن قيل : كيف قالوا : (إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ) [العنكبوت : ٣١] يعنون مدينة قوم لوط عليهالسلام ، ولم يقولوا تلك القرية ، مع أن مدينة قوم لوط كانت بعيدة عن موضع إبراهيم صلوات الله وسلامه عليه ، غائبة عند وقت هذا الخطاب؟
قلنا : إنما قالوا هذه القرية لأنها كانت قريبة حاضرة بالنسبة إليهم وإن كانت بعيدة بالنسبة إلى إبراهيم عليهالسلام.
[٨٣٤] فإن قيل : كيف قالوا : (أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ) [العنكبوت : ٣١] ولم يقولوا أهل هذه القرى؟ مع أن مدائن قوم لوط كانت خمسا فأهلكوا منها أربعا؟
قلنا : إنما اقتصروا في الذكر على قرية واحدة لأنها كانت أكبر وأقرب وهي سدوم مدينة لوط عليهالسلام ، فجعلوا ما وراءها تبعا لها في الذكر.
[٨٣٥] فإن قيل : كيف قال الله تعالى : (وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ) [العنكبوت : ٣٨] أي ذوي بصائر ، يقال فلان مستبصر : إذا كان عاقلا لبيبا صحيح النظر ، ولو كانوا كذلك لما عدلوا عن طريق الهدى إلى طريق الضلال؟
قلنا : معناه وكانوا مستبصرين في أمور الدنيا ، وقيل : معناه وكانوا عارفين الحق بوضوح الحجج والدلائل ؛ ولكنهم كانوا ينكرونه متابعة للهوى ؛ لقوله تعالى : (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا) [النمل : ١٤]. وقيل : معناه وكانوا مستبصرين لو نظروا نظر تدبر وتفكر.