فكان تقديم نوح عليهالسلام أشد مناسبة بالمقصود من سوق الآية.
[٨٧٥] فإن قيل : ما فائدة إعادة أخذ الميثاق في قوله تعالى : (وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً) [الأحزاب : ٧]؟
قلنا : فائدته التأكيد ووصف الميثاق المذكور أوّلا بالجلالة والعظم استعاذة من وصف الأجرام به. وقيل : إن المراد بالميثاق الغليظ اليمين بالله تعالى على الوفاء بما حملوا ، فلا إعادة لاختلاف الميثاقين.
[٨٧٦] فإن قيل : كيف قال تعالى وصف حال المؤمنين التي امتن عليهم فيها : (وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ) [الأحزاب : ١٠] ، ولو بلغت القلوب الحناجر لماتوا ولم يبق للامتنان وجه؟
قلنا : قال ابن قتيبة : معناه كادت القلوب تبلغ الحناجر من الخوف ، فهو مثل في اضطراب القلوب ووجيبها. ورده ابن الأنباري فقال : العرب لا تضمن كاد ولا تعرف معناه ما لم تنطق به. وقال الفراء : معناه أنهم جبنوا وجزعوا ، والجبان إذا اشتد خوفه انتفخت رئته فرفعت قلبه إلى حنجرته ، وهي جوف الحلقوم وأقصاه ؛ وكذلك إذا اشتد الغضب أو الغم ، وهذا المعنى مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما ، ومن هنا قيل للجبان : انتفخ منخره.
[٨٧٧] فإن قيل : كيف علّق الله تعالى عذاب المنافقين بمشيئته بقوله تعالى : (وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ) [الأحزاب : ٢٤] وعذابهم متيقن مقطوع به لقوله تعالى : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) [النساء : ١٤٥]؟
قلنا : إن شاء تعذيبهم بإماتتهم على النفاق. وقيل : معناه إن شاء ذلك وقد شاءه.
[٨٧٨] فإن قيل : ما حقيقة قوله تعالى : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) [الأحزاب : ٢١]؟
قلنا : فيه وجهان :
أحدهما : أنه نفسه أسوة حسنة ، أي قدوة ، والأسوة اسم للمتأسى به ، أي المقتدى به ، كما تقول : في البيضة عشرون منّا حديدا ، أي هي في نفسها هذا المقدار.
الثاني : أن فيه خصلة من حقها أن يتأسّى بها وتتبع ، وهي مواساته بنفسه أصحابه وصبره على الجهاد وثباته يوم أحد حين كسرت رباعيته وشجّ وجهه.
[٨٧٩] فإن قيل : كيف أظهر تعالى الاسمين ؛ مع تقدم ذكرهما في قوله تعالى : (وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ) [الأحزاب : ٢٢]؟