قلنا : المراد بالمسلم الموحد بلسانه ، وبالمؤمن المصدق بقلبه.
[٨٨٥] فإن قيل : كيف قال تعالى : (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ) [الأحزاب : ٤٠] ، مع أنه كان أبا للطاهر والطيب والقاسم وإبراهيم عليهمالسلام؟
قلنا : قوله تعالى : (مِنْ رِجالِكُمْ) [الأحزاب : ٤٠] يخرجهم من حكم النفي من وجهين :
أحدهما : أنهم لم يبلغوا مبلغ الرجال بل ماتوا صبيانا.
والثاني : أنه أضاف الرجال إليهم ، وهم كانوا رجاله لا رجالهم.
[٨٨٦] فإن قيل : كيف قال تعالى : (وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ) [الأحزاب : ٤٠] وعيسى عليهالسلام ينزل بعده وهو نبي؟
قلنا : معنى كونه خاتم النبيين أنه لا يتنبأ أحد بعده ، وعيسى ممن نبّئ قبله ؛ وحين ينزل ينزل عاملا بشريعة محمد صلىاللهعليهوسلم مصليا إلى قبلته كأنّه بعض أمته؟
[٨٨٧] فإن قيل : قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ) [الأحزاب : ٤٣] معناه يرحمكم ويغفر لكم فما معنى قوله تعالى : (وَمَلائِكَتُهُ) [الأحزاب : ٤٣] والرحمة والمغفرة منهم محال؟
قلنا : جعلوا لكونهم مستجابي الدعوة بالرحمة والمغفرة كأنهم فاعلو الرحمة والمغفرة ، ونظيره قولهم : حياك الله ، أي أحياك وأبقاك ، وحيا زيد عمرا : أي دعا له بأن يحييه الله اتكالا منه على إجابة دعوته ، ومثله قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِ) [الأحزاب : ٥٦].
[٨٨٨] فإن قيل : قد فهم من قوله تعالى : (إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وَداعِياً إِلَى اللهِ) [الأحزاب : ٤٥ ، ٤٦] أنه مأذون له في الدعاء إلى الله تعالى ، فما فائدة قوله تعالى : (بِإِذْنِهِ)؟
قلنا : معناه بتسهيله وتيسيره ، وقيل : معناه بأمره لا أنك تدعوهم من تلقاء نفسك.
[٨٨٩] فإن قيل : كيف شبه الله تعالى النبيّ صلىاللهعليهوسلم بالسّراج دون الشمس ، والشمس أتم وأكمل في قوله تعالى : (وَسِراجاً مُنِيراً) [الأحزاب : ٤٦]؟
قلنا : قيل إن المراد بالسراج هنا الشمس كما في قوله تعالى : (وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً) [نوح : ١٦] وقيل : إنما شبه بالسراج لأن السراج يتفرع ويتولد منه سرج لا تعد ولا تحصى بخلاف الشمس ، والنبي صلىاللهعليهوسلم تفرع منه بواسطة إرشاده وهدايته جميع العلماء من عصره إلى يومنا هذا ، وهلم جرا إلى يوم القيامة. وقيل : إنما شبهه بالسراج لأنه بعثه في زمان يشبه الليل بظلمات الكفر والجهل والضلال.