قلنا : أراد بالتعجب الاستعظام وهو جائز من الله تعالى ، كما استعظم كيد النساء ، وإنكار الكفار معجزات الأنبياء عليهمالسلام.
الثاني : أن معناه قل يا محمد بل عجبت ، وكان شريح يقرأ بالفتح يقول : إنّ الله تعالى لا يعجب من شيء وإنّما يعجب من لا يعلم ، فقال إبراهيم النخعي : إنّ شريحا كان يعجبه علمه وعبد الله أعلم منه. وكان يقرأ بالضمّ يريد عبد الله ابن مسعود.
قال الزّجّاج : وإنكار هذه القراءة غلط ، لأنّ العجب من الله تعالى خلاف العجب من الآدميين ، ونظيره قوله تعالى : (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ) [آل عمران : ٥٤] وقوله : (سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ) [التوبة : ٧٩] وما أشبهه ، وفي الّذي وقع منه العجب قولان : أحدهم كفرهم بالقرآن. والثاني : إنكارهم البعث.
[٩٢٥] فإن قيل : كيف مدح سبحانه نوحا عليهالسلام بقوله : (إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ) [الصافات : ٨١] ؛ مع أن مرتبة الرّسل فوق مرتبة المؤمنين؟
قلنا : إنما مدحه بذلك تنبيها لنا على جلالة محل الإيمان وشرفه ، وترغيبا في تحصيله والثّبات عليه والإزدياد منه ، كما قال تعالى ، في مدح إبراهيم عليهالسلام : (وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) [العنكبوت : ٢٧].
[٩٢٦] فإن قيل : كيف قال تعالى : (فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ) [الصافات : ٨٨] ، والنظر إنما يعدّى بإلى ، قال الله تعالى : (وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ) [الأعراف : ١٤٣] وقال : (فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللهِ) [الروم : ٥٠].
قلنا : «في» هنا بمعنى إلى كما في قوله تعالى : (فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ) [إبراهيم : ٩].
الثاني : أن المراد به نظر الفكر لا نظر العين ، ونظر الفكر إنما يعدّى بفي قال الله تعالى : (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [الأعراف : ١٨٥] ، فصار المعنى ففكر في علم النجوم أو في حال النجوم.
[٩٢٧] فإن قيل : كيف استجاز إبراهيم عليهالسلام أن يقول : (إِنِّي سَقِيمٌ) [الصافات : ٨٩] ولم يكن سقيما؟
قلنا : معناه سأسقم ، كما في قوله تعالى : (إِنَّكَ مَيِّتٌ) [الزمر : ٣٠] فهو من معاريض الكلام قاله ليتخلف عنهم إذا خرجوا إلى عيدهم فيكيد أصنامهم. وقال ابن الأنباري : أعلمه الله تعالى أنه يمتحنه بالسقم إذا طلع نجم كذا ، فلما رآه علم أنه سيسقم. وقيل معناه : إنّي سقيم القلب عليكم إذ عبدتم الأصنام وتكهنتم بنجوم لا
__________________
[٩٢٧] لعل الرّازي وهم في نسبة البيت إلى لبيد. وهو منسوب إلى عمرو بن قميئة.