وقيل : أحسن القرآن الآيات المحكمات. وقيل : أحسنه كلّ آية تضمنت أمرا بطاعة أو إحسان وقد سبق نظير هذه الآية في سورة الأعراف في قوله تعالى : (وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها) [الأعراف : ١٤٥] والأجوبة المذكورة ثمّ تصلح هنا ، وكذا الأجوبة المذكورة هنا تصلح ثمة إلا الجواب الأول.
[٩٥٦] فإن قيل : كيف قال تعالى : (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ) [الزمر : ٦٥] ، مع أن الموحى إليهم جماعة ، ولما أوحى إلى من قبله لم يكن في الوحي إليهم خطابه؟
قلنا : معناه ولقد أوحى إلى كل واحد منك ومنهم لئن أشركت.
الثاني : أنّ فيه إضمارا تقديره : ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك التوحيد ، ثم ابتدأ فقال لئن أشركت.
الثالث : أنّ فيه تقديما وتأخيرا تقديره : ولقد أوحي إليك لئن أشركت ، وكذلك أوحي إلى الذين من قبلك.
[٩٥٧] فإن قيل : كيف عبّر سبحانه عن الذّهاب بأهل الجنة والنار بلفظ السوق في قوله تعالى : (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا) [الزمر : ٧١] الآيتين وفيه نوع إهانة؟
قلنا : المراد بسوق أهل النار طردهم إليها بالهوان والعنف كما يفعل بالأسارى والخارجين على السلطان إذا سيقوا إلى حبس أو قتل ، والمراد بسوق أهل الجنة سوق مراكبهم حثّا وإسراعا بهم إلى دار الكرامة والرضوان كما يفعل بمن يشرف ويكرم من الوافدين على السلطان ، فشتان ما بين السوقين.
[٩٥٨] فإن قيل : كيف قال تعالى في وصف النار (فُتِحَتْ أَبْوابُها) [الزمر : ٧١] بغير واو وقال : في صفة الجنة : (وَفُتِحَتْ أَبْوابُها) [الزمر : ٧٥] بالواو؟
قلنا : فيه وجوه :
أحدها : أنها زائدة قاله الفراء وغيره.
الثاني : أنها واو الثمانية وأبواب الجنة ثمانية.
الثالث : أنها واو الحال معناه : جاءوها وقد فتحت أبوابها قبل مجيئهم ؛ بخلاف أبواب النار ، فإنها إنّما تفتح عند مجيئهم ؛ والحكمة في ذلك من وجوه :
أحدها : أن يستعجل أهل الجنة الفرح والسرور إذا رأوا الأبواب مفتحة ، وأهل النار يأتون النار وأبوابها مغلقة ليكون أشدّ لحرها.
الثاني : أن الوقوف على الباب المغلق نوع ذل وهوان ، فصين عنه أهل الجنة لا أهل النار.
الثالث : أن الكريم يعجل المثوبة ويؤخر العقوبة ، فلو وجد أهل الجنة بابها مغلقا لأثر انتظار فتحه في كمال الكريم ؛ بخلاف أهل النار.