[٩٨١] فإن قيل : كيف قال تعالى : (وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ) [الشورى : ٢٩] والدواب إنما هي في الأرض فقط؟
قلنا : فيهما بمعنى فيها ، باعتبار إطلاق لفظ التثنية على المفرد كما في قوله تعالى : (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ) [الرحمن : ٥٥] وإنما يخرج من أحدهما وهو الملح. وقيل : إن الملائكة لهم دبيب مع طيرانهم أيضا وهم مبثوثون في السماء ، ويؤيد ذلك قوله تعالى : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ) [الأنعام : ٣٨] فتقييده بالأرض يدل على وجود الدابة في غير الأرض من حيث المفهوم.
[٩٨٢] فإن قيل : كيف قدم سبحانه وتعالى الإناث على الذكور في قوله تعالى : (يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ) [الشورى : ٤٩] مع تقدمهم عليهن ، ثم رجع فقدمهم عليهن ، ولم نكر الإناث وعرف الذكور؟
قلنا : إنما قدم الإناث لأن الآية إنما سيقت لبيان عظمة ملكه ونفاذ مشيئته ، وأنه فاعل ما يشاء لا ما يشاء عبيده ، فكان ذكر الإناث اللاتي من جملة ما لا يشاؤه عبيده أهم ، والأهم واجب التقديم ، فلما قدمهن وأخر الذكور لذلك المعنى تدارك تأخيرهم ، وهم أحقاء بالتقديم بتعريفهم ؛ لأن التعريف تنويه وتشهير ، كأنه قال : ويهب لمن يشاء الفرسان الأعلام المشهورين الذين لا يخفون على أحد ، ثم أعطى بعد ذلك كلا الجنسين حقه من التقديم والتأخير ، فعرف أن تقديمهن لم يكن لتقدمهن ولكن لمقتض آخر فقال تعالى : (ذُكْراناً وَإِناثاً) [الشورى : ٥٠] كما قال تعالى : (إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى) [الحجرات : ١٣] وقال : (فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى) [القيامة : ٣٩].
[٩٨٣] فإن قيل : قوله : (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ) [الشورى : ٥١] الآية ؛ كيف يقال إن الله تعالى كلم محمدا صلىاللهعليهوسلم ليلة المعراج مواجهة بغير حجاب ولا واسطة ، وقد خص الله تعالى تكليمه للبشر في طريق الوحي وهو الإلهام ، كما كلم أم موسى ، والإسماع من وراء حجاب كما كلم موسى عليهالسلام ، وإرسال الرسول كما كلم الأنبياء بواسطة جبريل عليهالسلام ، وكما كلم الأمم بواسطة الرسل؟
قلنا : قيل المراد بالوحي الأول هنا الإشارة ، ومنه قولهم وحي العين ووحي الحاجب ، أي إشارتهما ، ومنه قوله تعالى : (فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا) [مريم : ١١] فتكليمه لمحمد صلىاللهعليهوسلم ليلة المعراج كان مواجهة بالإشارة.
[٩٨٤] فإن قيل : قوله تعالى : (ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ) [الشورى : ٥٢] كيف كان لا يعلم الإيمان قبل أن يوحى إليه ، والإيمان هو التصديق بوجود