[١١٠] فإن قيل : كيف قال : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ) [آل عمران : ٩٠] ؛ ومعلوم أن المرتدّ وإن ازداد ارتداده كفرا فإنّه مقبول التّوبة؟
قلنا : الآية نزلت في قوم ارتدّوا ، ثم أظهروا التّوبة بالقول ، لستر أحوالهم ، والكفر في ضمائرهم ؛ قاله ابن عباس.
وقيل : نزلت في قوم تابوا من ذنوبهم غير الشّرك.
وقيل : معناه : لن تقبل توبتهم وقت حضور الموت.
[١١١] فإن قيل : كيف قال : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ) [آل عمران : ٩٦] وكم من بيت بني قبل الكعبة ، من زمن آدم إلى زمن إبراهيم عليهالسلام؟
قلنا : معناه أن أول بيت وضع قبلة للنّاس ومكان عبادة لهم ؛ أو وضع مباركا للنّاس ، أو لأنّ ابن عباس قال : أوّل من بناه آدم عليهالسلام. لمّا هبط من السماء أوحى الله تعالى إليه ابن لي بيتا في الأرض ، واصنع حوله نحو ما رأيت الملائكة تصنع حول عرشي ؛ فبناه ، وجعل يطوف حوله.
[١١٢] فإن قيل : كيف قال الله تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ) [آل عمران : ١١٠] ولم يقل أنتم خير أمّة؟
قلنا : معناه كنتم في سابق علم الله ، أو كنتم يوم أخذ الميثاق على الذرية ؛ فأراد الإعلام بكون ذلك صفة أصليّة فيهم ، لا عارضة متجددة. أو معناه خلقتم ووجدتم ؛ فهي كان التامة ؛ وخير أمة نصب على الحال ؛ وتمام الكلام في كان يذكر في قوله تعالى (إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً) [النساء : ٢٢].
[١١٣] فإن قيل : كيف قال : (وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ) [آل عمران : ١١٠] ولا يصح أن يقال : هذا خير من ذلك إلّا إذا كان في كلّ واحد منهما خير ؛ مع أنّ غير الإيمان لا خير فيه ؛ حتى يقال : إنّ الإيمان خير منه؟
قلنا : معناه إيمانهم بمحمد صلىاللهعليهوسلم مع إيمانهم بموسى وعيسى عليهماالسلام ، خير من إيمانهم بموسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام فقط.
[١١٤] فإن قيل : كيف قال : (مَثَلُ ما يُنْفِقُونَ فِي هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها
__________________
[١١٤] صرّ : هو شدّة البرد ، أو البرد.
ـ ثعلب : هو أحمد بن يحيى بن زيد بن سيار الشيباني بالولاء ، أبو العبّاس ، اشتهر بثعلب ، إمام الكوفيين في النحو واللغة. كان محدّثا وراوية للشعر. ولد في بغداد سنة ٢٠٠ ه وتوفي فيها سنة ٢٩١ ه. من مؤلفاته : قواعد الشعر ، الفصيح ، شرح ديوان زهير ، مجالس ثعلب ، معاني القرآن ، ما تلحن فيه العامة ، الخ.