[آل عمران : ١٨٤] ، جوابا ؛ لأنه سابق عليه. ومعناه : وإن يكذبوك فتأسّ بتكذيب الرّسل قبلك ، وضعا للسّبب ، وهو تكذيبهم ، موضع المسبّب ، وهو التأسي بهم.
[١٢٧] فإن قيل : ما فائدة قوله تعالى : (وَلا تَكْتُمُونَهُ) ، في قوله : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ) [آل عمران : ١٨٧] ، والأوّل مغن عن الثّاني؟
قلنا : معناه ليبيّننّه في الحال ، ويدومون على ذلك البيان ولا يكتمونه ، في المستقبل.
الثاني : أن الضّمير الأوّل للكتاب ، والثاني لنعت النبيّ صلىاللهعليهوسلم وذكره ، فإنّه قد سبق ذكر النبيّ صلىاللهعليهوسلم قبيل هذا.
[١٢٨] فإن قيل : متى بيّنوا الكتاب لزم من بيانه بيان صفة النبيّ صلىاللهعليهوسلم وذكره ؛ لأنّه من جملة الكتاب الّذي هو التّوراة والإنجيل ؛ فقوله ، بعد ذلك ، ولا يكتمونه تكرار.
قلنا : على هذا يكون تأكيدا.
[١٢٩] فإن قيل : كيف قال : (رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ) [آل عمران : ١٩٢] ، وقال : في موضع آخر : (يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ) [التحريم : ٨٨] ؛ ويلزم من هذا أن لا يدخل المؤمنين النار كما قالت المعتزلة والخارجيّة؟
قلنا : أخزيته بمعنى أذللته وأهنته ، من الخزي وهو الذلّ والهوان ؛ وقوله : (يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ) [التحريم : ٨٨] من الخزاية وهي النكال والفضيحة.
فكل من يدخل النار يذلّ. وليس كل من يدخلها ينكّل به ويفضح. أو المراد بالآية الأولى إدخال الإقامة والخلود ، لا إدخال تحلّة القسم المدلول عليها بقوله تعالى : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها) [مريم : ٧١]. أو إدخال التّطهير الّذي يكون لبعض المؤمنين ، بقدر ذنوبهم.
وقيل : إن قوله تعالى : (يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ) [التحريم : ٨٨] كلام مبتدأ غير معطوف على ما قبله.
__________________
[١٢٩] تحلة القسم : أي ما ينحل به القسم (أي اليمين). وذهب الأكثر إلى أن المراد بذلك قوله تعالى : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها) [مريم : ٧١] ؛ ويشكل بالنسبة إلى الأنبياء والأولياء والصالحين والقصّر ، الخ. فقيل ، في توجيهه ، إن من كان من هؤلاء لا يدخل النار للعقاب ؛ بل يمرّ بها مجتازا (لمجرد تحليل قسمه تعالى) ، وهو مشكل. والأصوب ما ذهب إليه البعض من أنه لم يعن به قسما معينا ، وإنما هو كناية عن المبالغة في التقليل ، وهو ما يناسب استعمال هذه العبارة التي جرت مجرى المثل.
ولعل كلام المصنف ناظر إلى ما روي عن النبي صلىاللهعليهوسلم : «لا يموت للرجل ثلاثة من الأولاد فتمسّه النار إلّا تحلة القسم» والحديث أخرجه مالك في الموطأ ، حديث ٥٥٤ ، والبخاري ، حديث ٦٦٥٦ ، ومسلم والترمذي والنسائي.