أن يسمى الله تعالى شيئا ، ولو صح ذلك لصح نداؤه به كالحي القيوم ونحوهما؟.
قلنا : صحة ندائه تعالى مخصوصة بما يدل على المدح وصفة الكمال كالحي والقيوم ونحوهما ، لا بكل ما يصح إطلاقه عليه ؛ ألا ترى أن الموجود والثابت يصح إطلاقه عليه سبحانه وتعالى لا يصح نداؤه به؟ كذا ذكروا.
[٢٧٥] فإن قيل : استشهاد المدعي بالله لا يكفي في صحة دعواه وثبوتها شرعا حتى لو قال المدعى الله شاهدي لا يكفي هذا ، فكيف صح ذلك من النبي صلىاللهعليهوسلم حيث قال : (قُلِ اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) [الأنعام : ١٩]؟
قلنا : إنما لم يصح ذلك من غير النبي صلىاللهعليهوسلم لأنه لا يقدر على إقامة الدليل على أن الله تعالى يشهد له ، والنبي صلىاللهعليهوسلم أقام الدليل على ذلك بقوله : (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ) [الأنعام : ١٩] لأنه معجز.
[٢٧٦] فإن قيل : في قوله تعالى : (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) [الأنعام : ٢٣] كيف يكذبون يوم القيامة بعد معاينة حقائق الأمور ، وقد (بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ) [العاديات : ٩ ، ١٠]؟
قلنا : المبتلى يوم القيامة ينطق بما ينفعه وبما يضره لعدم التمييز بسبب الحيرة والدهشة ، كحال المبتلى المعذب في الدنيا يكذب على نفسه وعلى غيره ، ويتكلم بما يضره ، ألا تراهم يقولون ربنا أخرجنا منها وقد أيقنوا بالخلود فيها ، وقالوا : (يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ) [الزخرف : ٧٧] وقد علموا أنه (لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها) [فاطر : ٣٦].
[٢٧٧] فإن قيل : كيف الجمع بين هذه الآية وبين قوله تعالى : (وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً) [النساء : ٤٢]؟
قلنا : القيامة مواقف مختلفة ؛ ففي بعضها لا يكتمون ، وفي بعضها يحلفون كاذبين ، كما قال عزوجل : (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ) [الحجر : ٩٢ ، ٩٣] وقال تعالى : (فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌ) [الرحمن : ٣٩] وقيل إن حلفهم كاذبين يكون قبل شهادة جوارحهم عليهم ، (وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً) [النساء : ٤٢] يكون بعد شهادتها عليهم.
[٢٧٨] فإن قيل : كيف قال : (وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ) [الأنعام : ٣٢] وهو خير لغير المتقين أيضا كالأطفال والمجانين؟
قلنا : إنما خصهم بالذكر لأنهم الأصل فيها من حيث أن درجتهم أعلى وغيرهم تبع لهم.