[٢٧٩] فإن قيل : كيف قال لمحمد صلىاللهعليهوسلم : (فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ) [الأنعام : ٣٥] فخاطبه بأفحش الخطابين ، وقال لنوح عليهالسلام : (إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) [هود : ٤٦] فخاطبه بألين الخطابين مع أن محمدا صلىاللهعليهوسلم أعظم رتبة وأعلى منزلة منه؟
قلنا : لأن نوحا عليه الصلاة والسلام كان معذورا في جهله بمطلوبه ؛ لأنه تمسك بوعد الله تعالى في إنجاء أهله ، وظن أن ابنه من أهله. ومحمد صلىاللهعليهوسلم ما كان معذورا ؛ لأنه كبر عليه كفرهم ؛ مع علمه أن كفرهم وإيمانهم بمشيئة الله تعالى ، وأنهم لا يهتدون إلا أن يديهم الله.
[٢٨٠] فإن قيل : إذا بعث الله تعالى الموتى من قبورهم فقد رجعوا إلى الله بالحياة بعد الموت ، فما فائدة قوله تعالى : (وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) [الأنعام : ٣٦]؟
قلنا : المراد به وقوفهم بين يديه للحساب والجزاء ، وذلك غير البعث وهو إحياؤهم بعد الموت فلا تكرار فيه.
[٢٨١] فإن قيل : قوله تعالى : (وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً) [الأنعام : ٣٧] لو صح من النبي صلىاللهعليهوسلم هذا الجواب لصح لكل من ادعى النبوّة وطولب بآية أن يقول إن الله قادر على أن ينزل آية؟
قلنا : إذا ثبتت نبوته بما شاء الله من المعجزة يصح له أن يقول ذلك ، بخلاف ما إذا لم تثبت نبوته ، والنبي صلىاللهعليهوسلم كان قد ثبتت نبوته بالقرآن وانشقاق القمر وغيرهما.
[٢٨٢] فإن قيل : ما فائدة قوله تعالى : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ) [الأنعام : ٣٨] والدابة لا تكون إلا في الأرض ؛ لأن الدابة في اللغة اسم لما يدبّ على وجه الأرض ؛ وما فائدة (وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ) [الأنعام : ٣٨] والطير لا يكون إلا بالجناح؟
قلنا : فيه فوائد :
الأولى : للتأكيد كقولهم : هذه نعجة أنثى ، وقولهم كلمته بلساني ، ومشيت إليه برجلي ، وكما قال الله تعالى : (لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ) [النحل : ٥١] وقال تعالى : (يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) [الفتح : ١١].
__________________
[٢٧٩] ـ لا يخفى أن المصنّف قد خانه التعبير ؛ وخرج عن حدود الأدب مع مقام أشرف الخلق صلىاللهعليهوسلم.
وليته تجنب ما في عبارته من خشونة. كما أن جوابه غير متين. ولعل الأصوب في الجواب أن يقال : إن القرآن نزل الكثير من آياته على طريقة إيّاك أعني واسمعي يا جارة ، على عادة العرب في كثير من كلامهم. فالخطاب ظاهره أن المراد به النبي ، غير أنه في الحقيقة خطاب لعموم المؤمنين ، أو لمناسبته مع قضية خارجية كانت مناسبة للنزول. والله أعلم.