الثانية : نفي توهم المجاز فإنه يقال : طار فلان في أمر كذا إذا أسرع فيه ، وطار الفرس إذا أسرع الجري.
الثالثة : زيادة التعميم والإحاطة ، كأنه قال جميع الدواب الدابة وجميع الطيور الطائرة.
[٢٨٣] فإن قيل : قوله تعالى : (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ) [الأنعام : ٤٠] إلى أن قال : (فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ) [الأنعام : ٤١] ومن جملة ما ذكر الدعاء فيه عذاب الساعة وهو لا يكشف عن المشركين؟
قلنا : لم يخبر عن الكشف مطلقا ؛ بل مقيدا بشرط المشيئة وعذاب الساعة لو شاء كشفه عن المشركين لكشفه.
[٢٨٤] فإن قيل : قوله تعالى : (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ) [الأنعام : ٥٠] ، كيف ذكر القول في الجملة الأولى والثالثة وترك ذكره في الجملة الثانية؟
قلنا : لما كان الإخبار بالغيب كثيرا مما يدّعيه البشر ، كالكهنة والمنجمين وواضعي الملاحم ، ثم إن كثيرا من الجهال يعتقدون صحة أقاويلهم ويعملون بمقتضى أخبارهم بالغ في سلبه عن نفسه بسلب حقيقته عنه بخلاف الإلهية والملكية ، فإن انتفاءهما عنه وعن غيره من البشر ظاهر فاكتفى في نفيهما بنفي القول ، إذ غير الدعوى فيهما لا تتصور في نفس الأمر ولا في زعم الناس ، بخلاف علم الغيب فافترقا ، والمراد بقوله : (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ) [الأنعام : ٥٠] أي لا أدعي الإلهية ، كذا قاله بعض المفسرين.
[٢٨٥] فإن قيل : قوله تعالى : (وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) [الأنعام : ٥٥] كيف ذكر سبيل المجرمين ولم يذكر سبيل المؤمنين وكلاهما محتاج إلى بيانه؟
قلنا : لأنه إذا ظهر سبيل المجرمين ظهر سبيل المؤمنين أيضا بالضرورة إذ السبيل سبيلان لا غير.
[٢٨٦] فإن قيل : كيف قال : (وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ) [المائدة : ٦٠] أي ما كسبتم ، وهو يعلم ما جرحوا ليلا ونهارا؟
قلنا : لأن الكسب أكثر ما يكون بالنّهار لأنه زمان حركة الإنسان ، والليل زمان سكونه لقوله تعالى : (وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) [القصص : ٧٢] بعد قوله : (مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ) [القصص : ٧٢].
[٢٨٧] فإن قيل : كيف قال : (ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِ) [الأنعام : ٦٢] يعني