قلنا : المراد ولقد خلقنا أباكم ثم صورناه بطريق حذف المضاف.
وقيل : المراد : ولقد خلقنا أباكم ثم صوّرناكم في ظهره. والقول الأول أظهر.
[٣١٤] فإن قيل : كيف قال تعالى لإبليس (فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها) [الأعراف : ١٣] ، أي في السماء ، وليس له ولا لغيره أن يتكبر في الأرض أيضا؟
قلنا : لما كانت السماء مقر الملائكة المطيعين الذين لا توجد منهم معصية أصلا كان وجود المعصية منهم أقبح ، فلذلك خص مقرهم بالذكر.
[٣١٥] فإن قيل : كيف أجيب إبليس إلى الإنظار ، وإنما طلب الإنظار ليفسد أحوال عباد الله تعالى ويغويهم؟
قلنا : لما في ذلك من ابتلاء العباد ، ولما في مخالفته من عظم الثواب ، ونظير ذلك ما خلقه الله تعالى في الدنيا من أصناف الزخارف وأنواع الملاذ والملاهي ، وما ركّبه في الأنفس من الشهوات ليمتحن بها عباده.
[٣١٦] فإن قيل : كيف قال تعالى : (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما) [الأعراف : ٢٠] ولم يكن غرضه من الوسوسة كشف عورتهما ؛ بل إخراجهما من الجنة ، ويؤيده قوله تعالى : (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ) [البقرة : ٣٦]؟
قلنا : اللّام في ليبدي لام العاقبة والصيرورة ، لا لام كي ، كما في قوله تعالى : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) [القصص : ٨] وقول الشاعر :
لدوا للموت وابنوا للخراب |
|
فكلّكم يصير إلى التّراب |
[٣١٧] فإن قيل : أي آية لله تعالى في اللباس والكسوة حتّى قال تعالى في آية اللباس والكسوة (ذلِكَ مِنْ آياتِ اللهِ) [الأعراف : ٢٦]؟
قلنا : معناه أن اللباس والكسوة للإنسان خاصة علامة من العلامات الدالة على أن الله تعالى فضله على سائر الحيوانات ، وقيل معناه : ذلك من نعم الله.
[٣١٨] فإن قيل : كيف قال تعالى في حقّ إبليس : (يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما) [الأعراف : ٢٧] ونازع لباسهما هو الله تعالى؟
قلنا : لما كان ذلك السبب بسبب وسوسته وإغوائه أضيف النزع إليه ، كما يقال : أشبعني الطعام وأرواني الشراب ، والمشبع والمروي في الحقيقة إنما هو الله تعالى وهما سبب.
__________________
[٣١٦] البيت لأبي العتاهية ، وهو في ديوانه : ٣٣.
ويروى أيضا :
لدوا للموت وابنوا للخراب |
|
فكلكم يصير إلى تباب |