[٣١٩] فإن قيل : كيف قال : (كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ) [الأعراف : ٢٩] ، وهو بدأنا أولا نطفة ، ثم علقة ، ثم مضغة ، ثم عظاما ، ثم لحما ، كما ذكر ؛ ونحن لا نعود عند الموت ، ولا عند البعث بعد الموت ، على ذلك الترتيب؟
قلنا : معناه كما بدأكم أولا من تراب كذلك تعودون ترابا.
وقيل معناه : كما أوجدكم أولا بعد العدم كذلك يعيدكم بعد العدم ، فالتشبيه في نفس الإحياء والخلق لا في الكيفية والترتيب.
وقيل معناه : كما بدأكم سعداء وأشقياء ، كذلك تعودون ، ويؤيده تمام الآية.
وقيل معناه : كما بدأكم لا تملكون شيئا كذلك تعودون ، كما قال تعالى : (وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى) [الأنعام : ٩٤] الآية.
[٣٢٠] فإن قيل : كيف قال تعالى مخبرا عن الزينة والطيبات : (قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) [الأعراف : ٣٢] مع أن الواقع المشاهد أنها لغير الذين آمنوا أكثر وأدوم؟
قلنا : فيه إضمار تقديره : قل هي للذين آمنوا غير خالصة في الحياة الدنيا ؛ لأن المشركين شاركوهم فيها ؛ خالصة للمؤمنين في الآخرة.
[٣٢١] فإن قيل : كيف قال : (وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [الأعراف : ٤٣] والميراث عبارة عما ينتقل من ميت إلى حي وهو مفقود هنا؟
قلنا : هو على تشبيه أهل الجنة وأهل النار بالوارث وبالموروث عنه. وذلك أن الله تعالى خلق في الجنة منازل للكفار على تقدير الإيمان ، فمن لم يؤمن منهم جعل منزله لأهل الجنة.
الثاني : أن نفس دخول الجنة بفضل الله ورحمته من غير عوض ، فأشبه الميراث ، وإن كانت الدرجات فيها بحسب الأعمال.
[٣٢٢] فإن قيل : كيف قال تعالى : (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) [الأعراف : ٥٤] ، أما الخلق بمعنى الإيجاد والإحداث فظاهر أنه مختص به سبحانه وتعالى ، وأما الأمر فلغيره أيضا بدليل قوله تعالى : (يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ) [التوبة : ٧١] وقوله : (وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ) [الأعراف : ١٩٩] ، وقوله : (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ) [طه : ١٣٢]؟
قلنا : المراد بالأمر هنا قوله تعالى : (كُنْ) عند خلق الأشياء ، وهذا الأمر الذي به الخلق مخصوص به كالخلق.
الثاني : أن المراد بالخلق والأمر ما سبق ذكرهما في هذه الآية ، وهو خلق السموات والأرض ، وأمر تسخير الشمس والقمر والنجوم كما ذكر ، وذلك مخصوص به عزوجل.