[٣٢٣] فإن قيل : لم قال نوح عليه الصلاة والسلام : ليس بي ضلالة بالتاء ، ولم يقل ليس بي ضلال كما وصفه قومه به ، وذلك أشد مناسبة ليكون نافيا عين ما أثبتوه؟
قلنا : الضّلال أقل من الضلال ، فكان نفيها أبلغ في نفي الضّلال عنه ، كأنه قال : ليس بي شيء من الضلال ، كما لو قيل : ألك ثمر فقلت : ما لي ثمرة؟ كان ذلك أبلغ في النفي من قولك مالي ثمر.
[٣٢٤] فإن قيل : كيف وصف الملأ بالذين كفروا في قصة هود دون قصة نوح عليهماالسلام؟
قلنا : لأنه كان في أشراف قوم هود من آمن به منهم عند هذا القول ، فلم يكن كل الملأ من قومه قائلين : (إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ) [الأعراف : ٦٦] بخلاف قوم نوح فإنه لم يكن منهم من آمن به عند قولهم : (إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [الأعراف : ٦٠] فكان كل الملأ قائلين ذلك ، هكذا أجاب بعض العلماء ، وهذا الجواب منقوض بقوله تعالى في سورة هود في قصة نوح عليهالسلام (فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا) [هود : ٢٧] وكذا في سورة المؤمنين ، وجواب هذا النقض أنه يجوز أن القول كان وقع مرتين ، والمرة الثانية بعد إيمان بعضهم.
[٣٢٥] فإن قيل : كيف قال صالح عليهالسلام لقومه ، بعد ما أخذتهم الرجفة وماتوا : (يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ) [الأعراف : ٧٩] ولا يحسن من الحي مخاطبة الميت لعدم الفائدة؟
قلنا : هذا مستعمل في العرف ، فإن من نصح إنسانا فلم يقبل منه حتى قتل أو صلب ومر به ناصحه فإنه يقول له : كم نصحتك يا أخي فلم تقبل حتى أصابك هذا.
وفائدة هذا القول حث السامعين له على قبول النصيحة ممن ينصحهم لئلّا يصيبهم ما أصاب المنصوح الذي لم يقبل النصيحة حتى هلك.
[٣٢٦] فإن قيل : لم قال شعيب عليهالسلام لقومه : (وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها) [الأعراف : ٥٦] وهم ما زالوا كافرين مفسدين لا مصلحين؟
قلنا : بعد أن أصلحها الله تعالى بالأمر بالعدل وإرسال الرسل.
وقيل : معناه بعد أن أصلح الله تعالى أهلها بحذف المضاف.
وقيل : معناه بعد الإصلاح فيها ، أي بعد ما أصلح فيها الصالحون من الأنبياء وأتباعهم العاملين بشرائعهم ، فإضافته كإضافة قوله تعالى : (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) [سبأ : ٣٣] يعني بل مكرهم في الليل والنهار.
[٣٢٧] فإن قيل : كيف خاطبوا شعيبا عليهالسلام بالعود في الكفر بقولهم : (لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا) [الأعراف : ٨٨] وهو أجابهم