بقوله : (إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللهُ مِنْها) [الأعراف : ٨٩] وهو لم يكن في ملتهم ، قط ؛ لأن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا يجوز عليهم شيء من الكبائر خصوصا الكفر؟
قلنا : العرب تستعمل عاد بمعنى صار ابتداء ، ومنه قوله تعالى : (حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) [يس : ٣٩].
الثاني : أنهم قالوا ذلك على طريق تغليب الجماعة على الواحد ؛ لأنهم عطفوا على ضميره الذين آمنوا منهم بعد كفرهم ، فجعلوهم عائدين جميعا إجراء للكلام على حكم التغليب ، وعلى ذلك أجرى شعيب عليهالسلام جوابه ، ومراده عود قومه المعطوفين عليه.
[٣٢٨] فإن قيل : لم قال فرعون : (فَأْتِ بِها) [الأعراف : ١٠٦] بعد قوله : (إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ) [الأعراف : ١٠٦]؟
قلنا : معناه إن كنت جئت بآية من عند الله فأتني بها ، أي أحضرها عندي.
[٣٢٩] فإن قيل : كيف قال تعالى : (قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ) [الأعراف : ١٠٩] وفي سورة الشعراء : (قالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ) [الشعراء : ٣٤] فنسب هذا القول إلى فرعون؟
قلنا : قاله هو وقالوه هم ، فحكى قوله ثمّ وقولهم هنا.
[٣٣٠] فإن قيل : السحرة إنما سجدوا لله تعالى طوعا ، لما تحققوا معجزة موسى عليهالسلام ؛ فكيف قال تعالى : (وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ) [الأعراف : ١٢٠]؟
قلنا : لما زالت كل شبهة لهم بما عاينوا من آيات الله تعالى على يد نبيه اضطرهم ذلك إلى مبادرة السجود ، فصاروا من غاية المبادرة كأنهم ألقوا إلى السجود تصديقا لله والرسول.
[٣٣١] فإن قيل : كيف قال الله تعالى هنا حكاية عن السحرة الذين آمنوا وعن فرعون : (قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ) [الأعراف : ١٢١] إلى قوله : (وَتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ) [الأعراف : ١٢٦] ثم حكى عنهم هذا المعنى في سورة طه وسورة الشعراء بزيادة ونقصان في الألفاظ المنسوبة إليهم ، وهذه الواقعة ما وقعت إلا مرة واحدة ، فكيف اختلفت عبارتهم فيها؟
قلنا : الجواب عنه أنهم إنما تكلموا بذلك بلغتهم لا بلغة العربية ، وحكى الله ذلك عنهم باللغة العربية مرارا لحكمة اقتضت التكرار والإعادة نبينها في سورة الشعراء إن شاء الله تعالى ، فمرة حكاه مطابقا للفظهم في الترجمة رعاية للّفظ ، وبعد ذلك