حكاه بالمعنى جريا على عادة العرب في التفنن في الكلام والمخالفة بين أساليبه ، لئلا يمل إذا تمحض تكراره.
[٣٣٢] فإن قيل : كيف قالوا : (مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنا بِها) [الأعراف : ١٣٢] سموها آية ، ثم قالوا لتسحرنا بها؟
قلنا : ما سموها آية لاعتقاد أنها آية ؛ بل حكاية لتسمية موسى عليهالسلام على طريق الاستهزاء والسخرية.
[٣٣٣] فإن قيل : كيف الجمع بين قوله تعالى : (وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَما كانُوا يَعْرِشُونَ) [الأعراف : ١٣٧] أي أهلكنا ، وقوله تعالى : (فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَكُنُوزٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ) [الشعراء : ٥٧ ـ ٥٩]؟
قلنا : معنى ودمرنا : أي أبطلنا ما كان يصنع فرعون وقومه من المكر والمكيدة في حقّ موسى عليهالسلام : (وَما كانُوا يَعْرِشُونَ) [الأعراف : ١٣٧] أي يبنون من الصرح الذي أمر فرعون هامان ببنائه ليصعد بواسطته إلى السماء.
وقيل : هو على ظاهره ؛ لأن الله تعالى أورث ذلك بني إسرائيل مدة ثم دمره جميعه.
[٣٣٤] فإن قيل : قوله تعالى : (وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) [البقرة : ٤٩] قوله تعالى : (وَفِي ذلِكُمْ) إن كان إشارة إلى الإنجاء فليس فيه بلاء ؛ بل هو محض نعمة ، وإن كان إشارة إلى القتل والأسر فإضافته إلى آل فرعون بقوله تعالى : (وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) [البقرة : ٤٩] أشد مناسبة لسياق الآية وهو الامتنان ، ولهذا قال : يقتلون ويستحيون ، فأضاف إليهم الفعلين.
قلنا : البلاء مشترك بين النعمة والمحنة ؛ لأنه من الابتلاء وهو الاختبار ، يقال بلاه وابتلاه ، أي اختبره ؛ والله تعالى يختبر شكر عباده بالنعمة ويختبر صبرهم بالمحنة ، يؤيده قوله تعالى : (وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ) [الأعراف : ١٦٨] وقوله تعالى : (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) [الأنبياء : ٣٥] فمعنى الآية وفي ذلك الإنجاء نعمة عظيمة من ربكم عليكم.
[٣٣٥] فإن قيل : (وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ) [الأعراف : ١٤٢] المواعدة كانت أمره بالصوم في هذا العدد ، فكيف ذكر الليالي مع أنها ليست محلا للصوم ؛ بل يقع في القلب أن ذكر الأيام أولى ؛ لأنها محل الصوم الذي وقعت به المواعدة؟