قلنا : العرب في أغلب تواريخها إنما تذكر الليالي ، وإن كان مرادها الأيام ؛ لأن الليل هو الأصل في الزمان ، والنهار عارض ؛ لأنّ الظلمة سابقة في الوجود على النور.
وقيل : إنه كان في شريعة موسى عليهالسلام جواز صوم الليل؟
[٣٣٦] فإن قيل : ما فائدة قوله تعالى : (فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) [الأعراف : ١٤٢] وقد علم مجموع الميقات من قوله تعالى : (وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ)؟
قلنا : فيه فوائد : إحداها : التأكيد.
الثانية : أن يعلم أن العشر ليال لا ساعات.
الثالثة : أن لا يتوهم أن العشر التي وقع بها الإتمام كانت داخلة في الثلاثين ، يعني كانت عشرين وأتمت بعشر ، كما في قوله تعالى : (وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ) [فصلت : ١٠] على ما نذكره مشروحا في حم السجدة.
[٣٣٧] فإن قيل : لم قال موسى عليه الصلاة والسلام : (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) [الأعراف : ١٤٣] وقد كان قبله كثير من المؤمنين ، وهم الأنبياء ومن آمن بهم؟
قلنا : معناه وأنا أول المؤمنين بأنك يا الله لا ترى بالحاسة الفانية من الجسد الفاني في دار الفناء.
وقيل معناه : وأنا أول المؤمنين من بني إسرائيل في زماني.
وقيل : أراد بالأول الأقوى والأكمل في الإيمان ، يعني لم يكن طلبي للرؤية لشك عندي في وجودك أو لضعف في إيماني ؛ بل لطلب مزيد الكرامة.
[٣٣٨] فإن قيل : كيف قال : (وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها) [الأعراف : ١٤٥] أي التوراة ؛ وهم مأمورون بالعمل بكل ما في التوراة؟
__________________
[٣٣٧] قول المصنف في آخر الوجه الثالث من الجواب ، وإن كان أورده بلسان الحكاية ، بالقول : «بل لطلب مزيد الكرامة» مناقض للوجه الأول ، وفيه من البعد ما لا يخفى ، وحسبك أن مقام نبي من أولي العزم العارفين بالله سبحانه حقّ معرفته ، يمنع من أن يلتمس موسى صلوات الله وسلامه عليه من الله مزيد الكرامة بأمر ممتنع ؛ بل المقالة التي أوردها المصنف أشبه بمقالة الحشوية والمشبهة والمجسّمة ، لا بمقالة الأنبياء ، خاصة الله وأهل ولايته والعارفين به ، نعوذ بالله من الضّلالة في الدين.
أما قوله في ذيل الوجه الأول من الجواب : «في دار الفناء» فكأنه يلمح إلى جواز رؤية الباري تعالى في الآخرة ، بهذه العين الفانية. وأقل ما فيه : أن الممتنع عقلا ، كرؤية الباري تعالى ، ممتنع في كل الظروف والأحوال.