نظرة اليهود والنصارى بعضهم لبعض
وتستمر عملية التوعية والتعرية ، ليعرف المسلمون طبيعة العلاقات الداخلية التي تربط بين أفراد الجبهة المضادّة ، فليست هناك وحدة في المواقف ، ولا وحدة في المشاعر ، بل هناك التناقض والتنافر الذي تشعر فيه كل فئة منهم بالذاتية المطلقة التي تفصلها عن الفرقاء الآخرين. وتقف الفواصل الفكرية والشعورية لتشكل حاجزا معنويا داخليا يفصل كل فريق عن الآخر ؛ فلا أرض موحّدة يقفون عليها ، ولا قواسم مشتركة يلتقون عليها ، مما يجعل كل فريق منهم يجرّد الفريق الآخر من كل الصفات أو الأفكار التي تبعث على الاحترام والتقدير ، سواء في ذلك اليهود والنصارى والمشركون الذين وصفهم القرآن بكلمة «الذين لا يعلمون» ، للإيحاء الدائم بأن الجهل هو أساس كفرهم وشركهم ... وهكذا يعرض القرآن هذه الصورة القلقة للواقع الذي يعيشه هؤلاء ، ليعرف المسلمون كيفية مواجهة كل فريق بمفرده ، والاستفادة من ذلك في اتباع سياسة المراحل في قضايا الصراع بتفجير الخلافات فيما بينهم والتعامل معهم من ذلك الموقع ، وليشعر المسلمون في هذا الاتجاه بالقوّة الذاتية المتفوّقة أمام قوة الآخرين ، فلا يستسلمون للرهبة التي توحيها الكثرة ، لأنها كثرة ممزّقة مبعثرة ، وليست وحدة متماسكة تثير الرعب والخوف في النفوس.
ثم يختم القرآن الآية بإعطاء الصورة مزيدا من الوضوح في ما يوحيه من الجوّ الذي نشاهد فيه كل هؤلاء الفرقاء وقد اجتمعوا بين يدي الله في موقف الخلاف والنزاع والخصومة ، حيث يدلي فيه كل واحد بحجته ، ليثبت أنه على الحق وأن الآخرين على باطل ... ويختصر الموقف ويسدل الستار على الصورة (فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) ، فليس المجال