بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» (١) ، وروي عن عيسى عليهالسلام أنه قال : جئت لأكمل الناموس. (وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا) بالنبي وبالرسالة ، (فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا) من الرسالة في ما سمعوه من آياتها وعرفوه من شرائعها ، ورأوا الانسجام واضحا بينها وبين ما لديهم من التوراة ، وأيقنوا الحق في موقف النبي ودعوته ، (كَفَرُوا بِهِ) وجحدوه بغيا وحسدا وعدوانا. (فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ) لأنهم ابتعدوا عن الله بعد أن عرفوا طريقه ، فأبعدهم الله عنه.
* * *
بيعهم أنفسهم بدون ثمن
(بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ) ؛ والشراء هنا بمعنى البيع ، كما في قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ) [البقرة : ٢٠٧] ، (أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) فهم لم يكفروا لشبهة عرضت لهم أو لعدم وضوح الحق لديهم ، بل كان الكفر كفر عدوان وعناد وحسد ، لأنهم عرفوا من تعاليم الإسلام ومن مواقف النبي صلىاللهعليهوآله أنه لا يمنحهم أيّ امتياز يميزهم عن سائر المسلمين ، فشعروا بأنهم سيتحولون مع هذا الدين الجديد إلى أتباع عاديين ، وبذلك يفقدون المواقع التي كانوا فيها والامتيازات التي حصلوا عليها.
وهنا يقف القرآن ليشجب هذا الموقف ويندد بهم ، ويقول لهم إنهم باعوا أنفسهم بدون ثمن ، لأنهم لم يحصلوا إلا على البغي والحسد الذي لن يؤدي بالإنسان إلى نتيجة محترمة ، بل يؤدي بهم إلى الشعور القاتل الذي
__________________
(١) البحار ، م : ٦ ، ج : ١٦ ، باب : ٩ ، ص : ٤٠٨.