يحوّل داخل الإنسان إلى عقدة ضاغطة تقضي عليه في نهاية المطاف. وقد أوضح القرآن طبيعة هذا الحسد ، فقد كانوا يحبون أن ينزل القرآن عليهم ليكمّل تاريخ النبوّات لبني إسرائيل ، ليعزز من مكانتهم ويرفع من امتيازاتهم ويقوّي من مواقفهم ... (فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ) ؛ الغضب الأول ما واجهوه عند تمردهم على موسى وعلى الأنبياء من بعده قبل النبي محمد صلىاللهعليهوآله ، والغضب الثاني عند ما تمردوا على النبي محمد صلىاللهعليهوآله. (وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ) في الآخرة.
ويزداد الموقف وضوحا في ما يكشفه القرآن لنا من ملامح شخصيتهم في هذا الحوار : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ) ، فهذا كتاب الله أمامكم فآمنوا به. (قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا) فنحن أصحاب كتاب سماوي أنزله الله علينا ، فلا حاجة لنا بغيره لأنه يحقق لنا الكفاية في ما نحتاجه من أمور الدنيا والآخرة. (وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ) من الكتب السماوية من الإنجيل والقرآن ، (وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ). وبذلك كان الإيمان بكتابهم مستلزما للإيمان بالقرآن لأنه يصدق التوراة في تعاليمها.
وهنا تتجلى عملية التعرية في أوضح بيان ؛ إن القرآن يتجه إليهم ليقول لهم : هل أنتم جادّون في دعوى الإيمان بما أنزل عليكم من كتاب؟ هل تنطلقون فيها من مواقع الحق والإيمان ، أم أنها مجرّد مبرر استعراضي تحاولون من خلاله تبرير كفركم بالقرآن؟ إنكم كاذبون في ذلك ، لأن المؤمن بشيء لا بد له أن ينسجم مع إيمانه في مجال العمل به من جهة ، وفي مجال التقديس لأنبياء الإيمان من جهة أخرى ، ولكنكم سرتم في غير هذا الاتجاه. (قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) وهم الأنبياء الذين جاءوا من بعد موسى ، يحملون رسالته ، ويدعون الناس إلى العمل بالكتاب ، ويعتبرون امتدادا طبيعيا له؟ ولم يقتصر الموقف المعاند على هؤلاء الأنبياء ، فما ذا عن موقفكم من موسى الذي جاء بالكتاب؟