الحكمة قد تدعو إلى ذلك من خلال المصالح العامة المترتبة على ذلك في واقع التعايش الطبيعي بين المسلمين وأهل الكتاب ما داموا سائرين على العهد في خطواتهم العملية ، لأن الدوافع السيئة لا تكون أساسا للعقاب.
* * *
أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة
(وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ إِنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) في هذه الآية ، يعقّب الله على أمره بالعفو والصفح عن أهل الكتاب ، بالأمر بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ، وبالوعد الحق بأنهم سيجدون عند الله كل ما يقدّمونه أمامهم من خير ، فإنه بصير بما يعملونه ، ولا يعزب عن علمه مثقال ذرّة في الأرض ولا في السماء. وهذه طريقة قرآنية تربوية ، في كل مورد من الموارد التي يوجّه فيها الله بعض الأوامر أو النواهي للناس ، فإنه يتبع ذلك بتكاليف أخرى تؤكد جانب الشخصية الإيمانية العملية في نفس المؤمن ، وبالحديث عمّا يلاقيه أمامه من الثواب الموعود لدى الله ، من أجل أن يظل منفتحا على أعمال الخير بقوة روحية تندفع إلى تحقيق إرادة الله من موقع الطاعة الواعية التي تواجه العقبات والمصاعب الداخلية والخارجية بروح إسلامية تعرف النتائج سلفا ، فلا تتزعزع ولا تضعف ولا تنهار. وقد لا نحتاج إلى الكثير من الجهد ، لنعرف انسجام الصلاة وإيتاء الزكاة مع الأمر بالعفو والصفح ، لأنهما يفتحان قلب المؤمن على الله من نافذة العبادة ، وعلى الإنسان من نافذة العطاء ، فيحصل له ـ من هنا وهناك ـ الجوّ الروحي الداخلي الذي يعرف كيف يعفو ويصفح ويتسامح قربة إلى الله تعالى.
(وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) التي تقوّي عنصر الخير وتدفعكم إلى الصبر ، وتفتح عقولكم وقلوبكم على الانقياد لله في ما يأمركم به من العفو والصفح ، لأن