إليهم في واقع المؤمنين من الشرك ، بل هي عقدة ذاتية تربط الإيمان بهم في كل خصوصياته ؛ فمن كان معهم كان خروجه من الشرك فضيلة ، ومن لم يكن معهم كان خروجه مشكلة لا بد أن يواجهوها بالرفض حتى لو كانوا مؤمنين من ناحية المبدأ.
(حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ) كأي شخص يجد النعمة لدى غيره فيتمنى أن تكون له ، فلا يقبلون أن تنتقل النبوّة إلى محمد صلىاللهعليهوآله ليكون كل مجدها وشرفها وحركيتها له ولأتباعه. إنها عقدة الحسد الذي ينهش قلوبهم فيتحوّلون إلى واقع العداوة ، كما نقل في أسباب النزول عن حييّ بن أخطب وأخيه أبي ياسر اللذين دخلا على النبي محمد صلىاللهعليهوآله حين قدم المدينة ، فلما خرجا قيل لحييّ : أهو نبي؟ فقال : هو هو. فقيل : ما له عندك؟ قال : العداوة إلى الموت (١). وقد تطور أمره حتى أنه نقض العهد وأثار الحرب يوم الأحزاب. (مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُ) ممّا عرفوه من دلائل نبوّته في التوراة ، وكانوا يستظهرون به على الذين كفروا ، فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به. (فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا) ولا تدخلوا معهم في حرب ، بل سالموهم على أساس السلم الذي فرضته المعاهدة التي دخلتم فيها معهم ، مما يلزمكم بالتغاضي عن كل نياتهم السيئة وعقدتهم العدوانية ، على الرغم من قوتكم في المجتمع المسلم المدني الذي تملكون فيه القوة التي تستطيعون من خلالها أن تنتصفوا منهم. (حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ) عند ما تأتي الساعة التي يأذن الله فيها بجهادهم من خلال نقضهم العهد من الناحية العملية ، وإعلانهم العداوة للمسلمين بالتحالف مع المشركين ضدّكم ، لتكون لكم الحجة عليهم في صعيد الواقع. (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فهو يمهل عباده ، فلا يعجل لهم العقوبة ولا يؤاخذهم بالعذاب من خلال أنه لا يخاف الفوت الذي يوحي لصاحب الحق بالاستعجال ، ولأن
__________________
(١) البحار ، م : ٤ ، ج : ٩ ، باب : ١ ، ص : ٤٤.