ليعرفوا أن التوراة تبشر بالسيد المسيح وبكتابه ورسالاته ، وأن الإنجيل يتحدث عن التوراة وعن النبي موسى عليهالسلام ، مما يجعل الدينين منطلقين من قاعدة واحدة ، لو درسوهما دراسة دقيقة واعية.
(كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) وهم المشركون الذين انطلق شركهم من موقع جهلهم (مِثْلَ قَوْلِهِمْ) في احتكارهم الحق لأنفسهم وإبطالهم قول النبي صلىاللهعليهوآله بأنه ليس على شيء ، بل هو ساحر أو كاهن أو شاعر ، أو نحو ذلك من الاتهامات التي وجهت إليه فأنكرت رسالته ، ووجهت إلى القرآن فأنكرت نزوله من عند الله كوحي يوحى وقالوا عنه إنه (أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) [الفرقان : ٥].
وربما كانت مشكلة هؤلاء جميعا أنهم ليسوا مستعدّين للدخول في نقاش فكري وحوار علميّ ، ليصلوا من خلال ذلك إلى العقيدة المشتركة والموقف الواحد ، لأن الانتماء إلى عقيدتهم لم يعد حالة فكرية ، بل تحوّل إلى حالة ذاتية ، مما يجعل التنازل عنها تنازلا عن الذات نفسها ، وهذه سمة من سمات التعصّب والتخلف والجهل ، ولذلك فإن من الصعب الوصول إلى مواقع اللقاء حتى في التفاصيل الصغيرة ، وهذا ما يجعل حوار الأديان من أكثر أنواع الحوار صعوبة ، لانطلاقه من حالة شعورية لا من حالة فكرية ، فلا مجال للوصول إلى موقع تحكيم يحدّد لكل منها مواقعه من ناحية الواقع. (فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) ، ويعرّفهم الحقيقة الحاسمة (فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) ، فقد يرى بعضهم ـ كالمشركين ـ أنهم ليسوا على شيء في المبدأ والتفاصيل ، وقد يرى بعضهم ـ كاليهود والنصارى ـ أنهم يملكون بعض الحقيقة بطريقة مختلفة ، وأنهم ليسوا على الخط المستقيم في إنكارهم الإسلام وشرعيته.
* * *