نظن وجود مشكلة في أساس القضية ، لأن الذي أثاروه يتصل بقضية اللطف في موضوع التكليف الشرعي ، الذي يقصد من خلاله دفع المكلف إلى الطاعة وإبعاده عن المعصية ، مما يقتضي تسهيل الفعل عليه بالمستوى الذي لا يقع فيه المكلف في مشقة وحرج غير عادي ، أمّا القضية هنا فإنها تتصل بالعقوبة على المعصية ، وهي حقّ الله يضعه أين يشاء وكيف يشاء ، ونحن لا نعقل فرقا بين الأمر للقاتل بالاستسلام لوليّ المقتول ليجري عليه القصاص وبين هذا الأمر الموجود في هذه الآية ، كما لا نجد فرقا بين عقوبة الدنيا وعقوبة الآخرة ، فلا استبعاد ولا مخالفة لرحمة الله وعدله وحكمته.
وربما يلوح للبعض أنّ القتل هنا لم يرد بمعناه الحقيقي ، وهو إزهاق النفس ، بل المراد منه قتل شهواتها المحرّمة وصفاتها الذميمة وأوضاعها السيئة ، تماما كما يعبّر بعض المرتاضين الروحيين عنه بإماتة النفس ، ويقصد بذلك إماتة كل شهوة أو كلّ اندفاع للشهوة المحرمة فيها ، وقد يؤيد ذلك باعتباره أسلوبا من أساليب التوبة التي توحي بالندم على ما مضى والعزم على تصحيح المسيرة في المستقبل ، مما يفرض وجود مجال بعد التوبة ، وربما يجد هذا البعض في إلحاق صفة الرحيم بالتوّاب ما يوحي بأنّ الموقف يتناسب مع الرحمة الإلهية في مفهوم العاصي ، مما لا ينسجم مع الأمر بالقتل.
أمّا تعليقنا على ذلك ، فهو ما ألمحنا إليه في حديث سابق ، وهو أنّ الخط التفسيري الذي نسير عليه ، هو العمل بظاهر القرآن في ما توحيه طبيعة الكلمة في معناها الموضوع لها أو في القرائن المحيطة بالكلمة ، إلى أن يثبت خلاف ذلك من عقل أو نقل ، ونحن لا نجد في ما ذكره هذا البعض دليلا على إرادة خلاف الظاهر ، لأن من الممكن أن تكون التوبة بالاستسلام للقتل نظير القصاص ، ولا ضرورة لوجود مجال للحياة في المستقبل ، لأن الحدود الشرعية في حالة القتل أو الزنى للمحصن أو غير ذلك تعتبر وسيلة للتوبة