محمد بن اللّيث رفع رسالة إلى الرشيد يعظه ويقول : إنّ يحيى لا يغني عنك من الله شيئا ، وقد جعلته فيما بينك وبين الله ، فكيف بك (١) إذا وقفت بين يدي الله (٢) ، فسألك عمّا عملت في عباده وبلاده؟.
فدعا الرشيد يحيى ، وقد بلغته الرسالة ، فقال : تعرف محمد بن اللّيث؟ قال : نعم ، هو متّهم على الإسلام ، فأمر بابن اللّيث فوضع في المطبق دهرا. فلما تنكّر الرشيد للبرامكة أمر بإخراجه ، فأحضره وقال له : أتحبّني؟ قال : لا والله. قال : أتقول هذا؟ قال : نعم ، وضعت في رجليّ الأكبال ، وحلت بيني وبين عيالي بلا ذنب ، سوى قول حاسد يكيد الإسلام وأهله ، ويحبّ الإلحاد وأهله. فأطلقه ثم قال : أتحبّني؟ قال : لا ، ولكن قد ذهب ما عندي. فأمر له بمائة ألف ، ثم قال : أتحبّني؟ قال : نعم ، قد أحسنت إليّ. فقال : انتقم الله ممّن ظلمك وأخذ لك ممّن بعثني عليك.
قال : فقال الناس في البرامكة فأكثروا ، وكان ذلك أول ما ظهر من تغيّر حالهم (٣).
وقيل : إنّ يحيى بن خالد دخل بعد على الرشيد ، فقام الغلمان له ، وقال الرشيد لمسرور : مرهم لا يقومون. قال : فدخل ، فما قام أحد ، فاربدّ وجه يحيى (٤).
وقيل : إنّ سبب قتل جعفر أنّ الرشيد سلّم له يحيى بن عبد الله بن حسن ، فرقّ له بعد قليل وأطلقه. وكان ابن حسن مربوعا ، أجلح ، بطينا ، حسن العينين ، فأتى رجل بصفته وهيئته إلى الرشيد وأنّه رآه بحلوان. فأعطى الرجل جائزة (٥).
__________________
(١) عند الطبري ٨ / ٢٨٨ «أنت».
(٢) عند الطبري «بين يديه».
(٣) تاريخ الطبري ٨ / ٢٨٨ ، الجليس الصالح الكافي والأنيس الناصح الشافي للجريري ١ / ٥٨٠ ، ٥٨١.
(٤) تاريخ الطبري ٨ / ٢٨٨ ، الكامل في التاريخ ٦ / ١٧٧.
(٥) تاريخ الطبري ٨ / ٢٨٩ ، العيون والحدائق ٣ / ٣٠٦ ، الكامل في التاريخ ٦ / ١٧٥ ، ١٧٦ ، =