في التّوراة الّذى هو نشأة موسى (ع) (وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ) الّذى هو حال نشأة عيسى (ع) (كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ) قرئ بسكون التّاء وفتحها وقرئ بالمدّ وبالقصر ، والشّطأ فرخ الحيوان والنّبات وورق النّبات (فَآزَرَهُ) قرئ من الثّلاثىّ المجرّد وبالمدّ من باب الأفعال أو المفاعلة والمعنى أعانه وقوّاه حتّى لحقت هذه الافراخ الامّهات أو حتّى استكمل الأوراق (فَاسْتَغْلَظَ) الزّرع أو الشّطأ (فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ) فاستوى الزّرع أو الفرخ (يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ) بحسنه واستغلاظه ، قيل : هذا مثل ضربه الله تعالى لمحمّد (ص) وأصحابه فالزّرع محمّد (ص) والشّطأ أصحابه والمؤمنون حوله وكانوا في ضعف وقلّة كما يكون اوّل الزّرع دقيقا ثمّ غلظ وقوى وتلاحق فكذلك المؤمنون قوّى بعضهم بعضا حتّى استغلظ واستووا على أمرهم (لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) بالبيعة العامّة (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) بالبيعة الخاصّة فانّها أصل جميع الصّالحات ، ومن باع البيعة الخاصّة كان كأنّه عمل جميع الصّالحات أو آمنوا بالبيعة الخاصّة وعملوا الصّالحات على طبق ما أخذ منهم في بيعتهم (مِنْهُمْ) من النّاس أو من الّذين آمنوا أو من الّذين مع محمّد (ص) (مَغْفِرَةً) سترا لمساويهم (وَأَجْراً عَظِيماً) لا يمكن ان يوصف.
سورة الحجرات
مدنيّة ، وقيل الّا آية : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى) (الاية) ، ثماني عشرة آية.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) بالبيعة العامّة فانّ هذا حكم قالبىّ لجملة المسلمين (لا تُقَدِّمُوا) قدم كنصر وقدّم من التّفعيل واستقدم وتقدّم بمعنى والمعنى لا تمشوا (بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ) والمقصود لا تقدّموا بين يدي رسوله لكنّه أضاف الله للاشعار بانّ التّقدّم بين يدي رسول الله (ص) هو التّقدّم بين يدي الله لانّ رسوله مظهره ، وقرئ لا تقدّموا من التّفعّل اى لا نتقدّموا ، ويجوز ان يكون لا تقدّموا بضمّ التّاء وكسر الدّال من قدّمه إذا جعله مقدّما في الأمر ، ويكون المعنى لا تقدّموا أحدا على الله ورسوله (ص) ، أو لا تقدّموا امرا على امر الله ورسوله (ص) أو لا تختاروا امرا بين يدي رسوله (ص) من دون اذنه ، أو لا تجعلوا امر أنفسكم مقدّما على امر الله بان تجعلوا في الأعمال المعاديّة امر النّفس والغايات النّفسيّة نصب أعينكم غافلين عن امر الله ، وبان يكون نظركم في الأعمال المعاشيّة الى ما يزيّنه لكم أنفسكم من دون نظر فيها الى امر الله ونهيه ، والمقصود من الكلّ هو المقصود من كلّ القرآن وهو لا تقدّموا أحدا في الخلافة ولا تقدموا على الخلافة من دون امر الله ورسوله (ص) (وَاتَّقُوا اللهَ) اى سخطه في الاقدام على الأمور الشّرعيّة (إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ) لما تقولون في امر الخلافة ، أو لما تأمركم أنفسكم عند أعمالكم المعاديّة والمعاشيّة (عَلِيمٌ) بنيّاتكم ودقائق أعمالكم وأحوالكم ومكنوناتكم الّتى لا اطّلاع لكم عليها (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) لمّا كانت السّورة المباركة لتأديب الامّة صدّر كلّ حكم منها بالنّداء تلطّفا بهم وتنشيطا لهم للاستماع وجبرا لكلفة التّأديب بلذّة الخطاب (لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ) سواء كان فوق صوته (ص)