عديدة؟ أو القمر منحصر في هذا الكوكب الّذى يدرك انّه مستنير من الشّمس؟ قيل : وجدوا غير هذا القمر اقمارا أخر ، وفي العالم الصّغير القلب مظهر للقمر ، أو القمر مظهر للقلب فانّ القلب أيضا يأخذ النّور من الرّوح ويستنير بنوره ، ولمّا كان النّاس قلوبهم ذوات وجهين ، وجه الى الرّوح وعالم الوحدة ، ووجه الى النّفس وعالم الكثرة ، وكان المراعى منهم للطّرفين قليلا والجامع لكمال الطّرفين اقلّ حتّى انّ الأنبياء لم يكونوا كاملين في الطّرفين بل كانوا ناقصين في طرف الكثرة أو طرف الوحدة ، وكان نبيّنا (ص) كاملا في الطّرفين حافظا للجانبين ولذلك نسب اليه انّه قال : كان أخي موسى (ع) عينه اليمنى عمياء ، وأخي عيسى (ع) عينه اليسرى عمياء ، وانا ذو العينين ، كان قلب نبيّنا (ص) من بينهم ذا شقّين كاملين ، ولمّا كان القمر الصّورىّ مظهرا لقلبه كان لا غرو في انشقاق القمر الصّورىّ كما نسب الى معجزاته ، ولمّا كان انشقاق القمر المعنوىّ الّذى هو قلب النّبىّ (ص) بشقّين متساويين دليلا على انتهاء مراتب التّجدّد في وجوده وابتداء الدّهر في وجوده كان دليلا على شدّة قرب السّاعة الواقعة في الدّهر ، ولمّا كان انشقاق القمر الصّورىّ دليلا على انشقاق قلب فاعله بشقّين متساويين كان ذلك أيضا من أشراط السّاعة ، روى انّه اجتمع المشركون الى رسول الله (ص) فقالوا : ان كنت صادقا فشقّ لنا القمر فرقتين ، فقال لهم : ان فعلت تؤمنوا؟ ـ قالوا : نعم ، وكانت ليلة بدر فسأل ربّه ان يعطيه ما قالوا ، فانشقّ القمر فرقتين ورسول الله (ص) ينادى : يا فلان يا فلان اشهدوا (وَإِنْ يَرَوْا آيَةً) الجملة حاليّة والمعنى اقتربت السّاعة وظهر أمارتها وينبغي ان يتذكّروا ويتوبوا وينيبوا ويتنبّهوا بكلّ شيء والحال انّهم مع ذلك ان يروا آية من آيات السّاعة مثل بياض شعر الرّأس واللّحية وسقوط الأسنان وضعف نور البصر وقلّة شهوة الطّعام والسّفاد ورخاوة الاعصاب والأمراض الواردة وفوت الجيران والإقران ، أو آية من آيات قدرة الله وعلمه وحكمته ، أو آية من آياته العظمى ، أو آية معجزة لهم عن الإتيان بمثلها (يُعْرِضُوا) عنها (وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ) قوىّ يعلو كلّ سحر ، وقيل : سحر ذاهب باطل ، أو سحر مستمرّ من الأزمان السّابقة (وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ) قال القمّىّ : كانوا يعملون برأيهم ويكذّبون أنبياءهم (وَكُلُّ أَمْرٍ) من التّكذيب والتّصديق والخير والشّرّ والطّاعة والمعصية (مُسْتَقِرٌّ) في الألواح العالية ، وفي الصّحف الّتى بأيدي الكرام البررة ، وفي ألواح النّفوس العاملة فلا يفوت شيء منّا ، فيكون هذا تهديدا لهم (وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ) اى أنباء الأنبياء (ع) وأممهم الماضية والوقائع الواقعة بهم ، أو من أنباء الآخرة والثّواب والعقاب فانّه وصل انموذجها إليهم في وجودهم وخبرها إليهم باخبار أنبيائهم (ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ) انزجار من المعاصي والتّكذيب (حِكْمَةٌ بالِغَةٌ) الى الغاية اى كاملة وهو بدل من مزدجر أو خبر مبتدء محذوف اى هذه المواعظ ، أو هذا القرآن أو ما جاءهم من الأنباء حكمة بالغة (فَما تُغْنِ النُّذُرُ) يعنى إذا كان لا يغني من عذاب الله تلك الحكمة البالغة الّتى فيها مزدجر فاىّ شيء تغن النّذر ، أو فلا ـ تغني جميع النّذر عن عذاب الله ، أو ما تغني جميع النّذر عنهم ، أو إذا لم تغن النّذر في الدّنيا فما تغن النّذر يوم الاحتضار أو يوم القيامة ، والنّذر جمع النّذير ، أو مصدر بمعنى الإنذار (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ) يعنى إذا كانوا لا ينفعهم النّذر فلا تجشّم في الدّعوة وتولّ عنهم يوم الاحتضار حتّى لا تساء بمشاهدة سوء أحوالهم ، أو تولّ عنهم إذا تعرّضوا لشفاعتك يوم القيامة أو تولّ عنهم يوم القيامة لانّهم يرون العذاب في ذلك اليوم (يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ) قرئ بإسقاط الياء اجراء للوصل مجرى الوقف ، وقرئ بإثبات الياء ، والدّاعى هو ملك الموت في النّفخة الاولى أو في النّفخة الثّانية ، وقيل : هو إسرافيل يدعوهم الى المحشر ، أو الملك الّذى يدعوهم الى النّار (إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ) منكر غير مأنوس فانّ جميع