شخص انسانىّ يمينه عالم الأرواح الطّيّبة ، وشماله عالم الأرواح الخبيثة ، والإنسان الواقع بين هذين العالمين ما لم يتمكّن في شيء من العالمين بل كان حاله باقية على البرزخيّة بينهما لا يحكم عليه بشيء من العالمين والخارج من البرزخيّة المتمكّن في الأرواح الخبيثة يحكم عليه بانّه منهم ، وانّه من أصحاب الشّمال وأصحاب المشئمة ، والمتمكّن في الأرواح الطّيّبة يحكم عليه بانّه منهم وانّه من أصحاب اليمين وأصحاب الميمنة ، والباقي على البرزخيّة لا يحكم عليه بشيء بل هو المرجى لأمر الله وهم أغلب النّاس ، والحائز لكمالات الإنسان السّابق على أصحاب اليمين وهم الأنبياء والأولياء (ع) هو السّابق وبعبارة اخرى الإنسان امّا قابل للولاية أو معرض عنها ، أو غير قابل وغير معرض ، والمعرض يحكم عليه بحسب اعراضه انّه من أصحاب الشّمال بشرط البقاء على اعراضه ، والقابل يحكم عليه بانّه من أصحاب اليمين ، وغيرهما مرجى لأمر الله ، والقابل للولاية امّا صار بالفعل في بعض الكمالات وهو السّابق ، أو لم يصر وهو من أصحاب اليمين ، وهذه القسمة بحسب كونهم في الدّنيا وفي الانظار القاصرة ، والّا فهم بعد الموت وطىّ البرزاخ امّا سابقون ، أو أصحاب اليمين ، أو أصحاب الشّمال ، وهكذا حالهم في الانظار البالغة في الدّنيا ، فانّ النّاظرين في العواقب يحكمون على الإنسان بكونه من أصحاب الشّمال ، أو أصحاب اليمين ، أو السّابقين ، فالاقسام اربعة في الدّنيا عند القاصرين وثلاثة في الآخرة وفي الدّنيا عند الكاملين في الانظار ، وقد مضى في سورة المائدة عند قوله تعالى (بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ) بيان للشّمال واليمين وانّهما بالنّسبة الى أنفسهما والى العالم تسمّيان باليمين والشّمال ، وامّا بالنّسبة الى الله تعالى فكلتا يديه يمين ، وعن النّبىّ (ص) انّه سئل عن هذه الآية فقال (ص) : قال لي جبرئيل : ذلك علىّ وشيعته هم السّابقون الى الجنّة المقرّبون من الله بكرامته ، وعن علىّ (ع) قال : والسّابقون السّابقون أولئك المقرّبون فيّ نزلت ، وعن الباقر (ع): ونحن السّابقون السّابقون ونحن الآخرون ، وقال الصّادق (ع) قال ابى لا ناس من الشّيعة ، أنتم شيعة الله ، وأنتم أنصار الله ، وأنتم السّابقون الاوّلون ، والسّابقون الآخرون ، والسّابقون في الدّنيا الى ولايتنا ، والسّابقون في الآخرة الى الجنّة (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ) اى جمع كثير منهم من الاوّلين في الزّمان وهم من لدن آدم (ع) الى زمان الخاتم (ص) ، أو من الاوّلين في البيعة وقبول الولاية ، أو من الاوّلين في الرّتبة وهذا هو المقصود ، فانّ المقصود انّ كثيرا من السّابقين كانوا من الاوّلين في الرّتبة وقليل منهم كانوا من الآخرين في الرّتبة عرجوا بعد الموت بتصادم البرازخ الى مقام الاوّلين ولذلك لم يقل في أصحاب الشّمال ، ثلّة من الاوّلين مع انّ أصحاب الشّمال جمع كثير منهم من الاوّلين ، وقيل : ثلّة من الاوّلين من أمّة محمّد (ص) (وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ) منهم (عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ) وضن الشّيء ثنّى بعضه على بعض وضاعفه ، أو نضده ، أو نسجه (مُتَّكِئِينَ عَلَيْها مُتَقابِلِينَ) فانّ الرّاحة في الاتّكاء ، وأشرف المجالس التّقابل (يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ) غلمان لانّهم الطف وأصفى وأشهى من جملة الخدم (مُخَلَّدُونَ) اى غير خارجين من الجنّات فانّهم لا يخرجون منها أبدا ، أو مخلّدون من حيث كونهم غلمانا بمعنى انّهم لا يغيّرهم طول المدّة عن حالهم كأبناء الدّنيا يغيّرهم الأزمان عن صفائهم وطراوتهم ، أو المقرّطون فانّ الخلد القرط (بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ) الكوب بالضّمّ كوز لا عروة له أو لا خرطوم له ، والإبريق معرّب «آبريز» كوز له عروة وخرطوم (وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ) اى الخمر الجارية ، ومن معين وصف للثّلاثة ، أو وصف للأخير ، والكأس الإناء يشرب فيه أو ما دام الشّراب فيه ، مؤنّثة مهموزة ، والشّراب ، ويجوزان يراد بها هاهنا الإناء والشّراب (لا يُصَدَّعُونَ عَنْها) لا يأخذهم من تلك الكأس الصّداع كخمر الدّنيا (وَلا يُنْزِفُونَ) نزف كعني ذهب عقله ، ونزف البئر نزح ماءه ، ونزف البئر فنى ماؤه