(أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى) المثوبة الحسنى أو العاقبة الحسنى (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) فلا حاجة لكم في أعمالكم الى الحضور (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ) يعنى فيردّه اليه مضاعفا وكان له أجر كريم لا امتنان فيه ولا قصور ولا زوال ، وقد مضى الآية ببيانها في أواخر البقرة ، عن الكاظم (ع): نزلت في صلة الامام ، وفي رواية : في دولة الفسّاق (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ) ظرف ليضاعفه أو للخبر في قوله تعالى له أجر كريم أو لكريم ، أو ظرف ليقال المقدّر عند قوله تعالى بشريكم اليوم أو ظرف ليسعى والمعنى كلّما ترى المؤمنين (وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ) يعنى انّك فتحت بصيرتك فيوم ترى المؤمنين تريهم يسعى نورهم بين أيديهم والمراد بهذا النّور هو الكيفيّة الدّاخلة في قلب البائع البيعة الخاصّة الولويّة بقبول الولاية وهو فعليّته الاخيرة ولذلك يصير ابنا لمن باع معه وقد يرى في الواقعة بصورة من باع على يده ، وقد يرى بصورة ولده من صلبه وتلك الكيفيّة ليست كيفيّة عرضيّة بل هي صورة جوهريّة نازلة من ولّى امره داخلة في قلبه وقوله تعالى : (وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) اشارة الى تلك الصّورة ، وتلك الصّورة لا ترى بالأبصار الحسّيّة ، وترى بالبصيرة في الدّنيا والآخرة ، وفي البرازخ والآخرة يخلّص تلك الصّورة من غواشي المادّة ويخلّص البصيرة لكلّ أحد من حجاب البصر فيشهدها كلّ أحد ويشهدها صاحب النّور أيضا فيرى تلك الكيفيّة بصورة امامه يسعى بين يديه ، واختيار بين الأيدي والايمان لانّ تلك الصّورة نورانيّة يستنير منها كلّما تظهر عليه ، وخلف المؤمن الدّنيا الظّلمانيّة ، وشماله الملكوت السّفلى الّتى هي أظلم ولا مناسبة للنّورانىّ مع الظّلمانىّ ، وقدّامه عالم الغيب الّذى هو نور محض ، ويمينه عالم الأرواح الطّيّبة الّذى هو أيضا نورانىّ ، وقد يظهر ذلك النّور على السّالك إذا اشتدّ محبّته واستقام في سلوكه ومات بالموت الاختيارىّ ، وهذا هو الّذى يقوله الصّوفيّة من انّه ينبغي للسّالك ان يكون اهتمامه في سلوكه بحصول حال الحضور ، وهذا هو معرفة علىّ (ع) بالنّورانيّة الّتى هي معرفة الله ، وهذا هو المسمّى بالحضور والسّكينة والفكر ، وهذا هو ذكر الله الحقيقىّ (بُشْراكُمُ الْيَوْمَ) اى تقول أو يقول الملائكة أو يقال بشريكم اليوم (جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها) قد مضى في آخر آل عمران بيان جريان الأنهار من تحت الجنّات (ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ) بدل من يوم ترى المؤمنين أو من اليوم (وَالْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا) انظروا إلينا أو انتظروا لنا (نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ) ولمّا لم يكن بين المؤمنين ونورهم وبين المنافقين مناسبة (قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ) كما كنتم في الدّنيا راجعين الى ورائكم (فَالْتَمِسُوا نُوراً) قيل ذلك لهم استهزاء (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ) حائط (لَهُ بابٌ باطِنُهُ) اى باطن الباب أو باطن السّور (فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ) فانّ السّور هو الحجاب الحاجز بين الملكوت السّفلى والملكوت العليا ، وباطنه الى الملكوت العليا وفيها الرّحمة والرّضوان ، وظاهره الى الملكوت السّفلى وفيها الجحيم ونيرانها وأنواع عذابها (يُنادُونَهُمْ) اى ينادى المنافقون والمنافقات الّذين آمنوا (أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ) في الانسانيّة ، أو في الإسلام والبيعة العامّة ، أو في الايمان والبيعة الخاصّة (قالُوا بَلى) كنتم معنا في ظاهر الإسلام وفي ظاهر الايمان (وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ) الفتنة إعجابك بالشّيء وإذابة الذّهب