آمنوا وأنفقوا ، وعلى قراءة تشديد الصّاد يكون قوله : انّ المصّدّقين والمصّدّقات وأقرضوا الله (قَرْضاً حَسَناً يُضاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ) بمنزلة انّ الّذين يعطون الزّكاة وبيانا لجزاء الإنفاق ويكون قوله (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ) بيانا لجزاء الايمان وبعبارة اخرى انّ المصدّقين بيان لجزاء القوّة العمّالة وانّ الّذين آمنوا بيان لجزاء القوّة العلّامة ، وبعبارة اخرى الاوّل بيان لجزاء الزّكاة ، والثّانى بيان لجزاء الصّلوة وترجيح لجانب القوّة العلّامة والصّلوة على القوّة العمّالة والزّكاة فانّ قوله تعالى أولئك هم الصّدّيقون (وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ) لحصر كمال الصّدق والشّهادة فيهم وقوله تعالى (لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ) تفخيم لاجرهم ونورهم بإضافتهما إليهم بمعنى انّ أجرهم لا يمكن معرفته الّا بإضافته إليهم ، وقيل : انّ الشّهداء مبتدء وخبره لهم أجرهم ، وعن الباقر (ع) انّه قال : العارف منكم هذا الأمر المنتظر له المحتسب فيه الخير كمن جاهدوا لله مع القائم (ع) بسيفه ثمّ قال : بل والله كمن جاهد مع رسول الله (ص) بسيفه ، ثمّ قال الثّالثة : بل والله كمن استشهد مع رسول الله (ص) في فسطاطه ، وفيكم آية من كتاب الله قيل : واىّ آية؟ ـ قال : قول الله والّذين آمنوا بالله ورسله (الآية) ثمّ قال : صرتم والله صادقين شهداء عند ربّكم ، والاخبار الواردة بهذا المضمون يعنى تخصيص الصّدّيقين والشّهداء بشيعتهم كثيرة ، وفي هذا الخبر غنية عن نقلها ، وروى عن أمير المؤمنين (ع) انّه لمّا قتل يوم النّهروان الخوارج قام اليه رجل ، فقال : يا أمير المؤمنين (ع) طوبى لنا إذ شهدناها معك هذا الموقف وقتلنا معك هؤلاء الخوارج ، فقال أمير المؤمنين (ع): والّذى فلق الحبّة وبرأ النّسمة لقد شهدنا في هذا الموقف أناس لم يخلق الله آباءهم ولا أجدادهم بعد ، فقال الرّجل : وكيف شهدنا قوم لم يخلقوا؟ ـ قال : بل قوم يكونون في آخر الزّمان يشركوننا فيما نحن فيه ويسلّمون لنا فأولئك شركاؤنا فيه حقّا حقّا (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ) مقابل الّذين آمنوا بالله ورسله (اعْلَمُوا) ابتداء كلام منقطع عن سابقه وتزهيد عن الحيوة الدّنيا ولوازمها ، وترغيب في الآخرة والإنفاق وتسهيل له (أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ) اللّعب ماله غاية خياليّة غير عقليّة ، واللهو ما لم يكن له غاية خياليّة مدركة مشعورا بها وان كان لا يجوز ان يكون فعل المختار بلا غاية ، والتّقدير اعلموا انّ متاع الحيوة الدّنيا أو حاصل الحيوة الدّنيا لعب ولهو (وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ) اى تغالب في ذلك ولا يبقى للعاقلة شيء من ذلك (كَمَثَلِ غَيْثٍ) مفعول ثان لاعلموا أو انّما وما بعده قائم مقام المفعولين أو هو خبر مبتدء محذوف (أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ) اى نبات الغيث الّذى نبت بسبب الغيث وقال تعالى : أعجب الكفّار لانّ الكفّار لكفرهم بالله اشدّ إعجابا بصورة النّبات بخلاف غير الكفّار فانّهم يفرحون بالمنعم وانعامه (ثُمَّ يَهِيجُ) ييبس ببلوغه الى غايته أو بعاهة (فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً) لائقا للنّار (وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ) مثّل الحيوة الدّنيا ونزول ماء الحيوة من سماء الأرواح بنزول المطر من السّماء وصورة الإنسان في بدو الأمر بنبات النّبات في اوّل الأمر ضعيفا ثمّ استواء الإنسان باستواء النّبات في خضرته وطراوته وإعجابه للغافل عن الآخرة ثمّ انحطاطه بانحطاط النّبات ثمّ موته بيبس النّبات واصفراره وتكسّره ثمّ العذاب في الآخرة للمفتون بالحيوة باحتراق النّبات اليابس (وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرِضْوانٌ) لمن لم يفتتن أو للكلّ بشرط الاستعداد والاستحقاق (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ)