اى التّمتّع المسبّب من الغرور أو متاع سبب للغرور (سابِقُوا) هذا بمنزلة النّتيجة أو جواب لسؤال مقدّر ناش من سابقه كأنّه قيل : ان كان الحيوة الدّنيا متاع الغرور وفي الآخرة عذاب لأهلها أو مغفرة فما نفعل؟ ـ فقال : سابقوا (إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) قد مضى في سورة آل عمران بيان تشبيه عرض الجنّة بعرض السّماوات والأرض (أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ) هذه صفة أو حال أو مستأنفة (ذلِكَ) الايمان بالله ورسله أو ذلك المذكور من المغفرة والجنّة (فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ) فانّ مبدء التّوفيق للايمان الّذى هو سبب المغفرة والجنّة منه تعالى فلا يدخل الجنّة أحد بنفسه ولا بعمله (وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ما أَصابَ) منقطعة عن سابقها أو جواب لسؤال ناش من السّابق كأنّه قيل : ان كان الله ذا الفضل بعباده فممّ يكون هذه المصائب والبلايا؟ ـ فقال في الجواب : ما أصاب (مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ) في العالم الكبير من البلايا العامّة الواردة على اموال أهل الأرض (وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها) اى من قبل ان نبرأ الأنفس أو من قبل ان نبرأ الأرض والأنفس والمراد بالكتاب كتاب اللّوح المحفوظ والمقصود انّه ليست المصائب الّا بعلمنا وقدرتنا وأصابتنا (إِنَّ ذلِكَ) الثّبت في الكتاب (عَلَى اللهِ يَسِيرٌ لِكَيْلا تَأْسَوْا) متعلّق بقوله في كتاب أو متعلّق بمحذوف والتّقدير أخبرناكم بذلك لتعلموا انّ ما يقع في الأرض هو ثابت في اللّوح وبعلمنا وارادتنا لكيلا تأسوا (عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ) ولكي تصبروا وترضوا عند ما فاتكم وتشكروا الله عند ما آتيكم وهذا هو غاية الزّهد فانّ عدم التّغيّر في فوت ما في اليد وفي إتيان ما ليس في اليد كمال الزّهد كما روى عن أمير المؤمنين (ع) انّه قال : الزّهد كلّه بين كلمتين من القرآن قال الله تعالى : لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتيكم ، ومن لم يأس على الماضي ولم يفرح بالآتى فقد أخذ الزّهد بطرفيه ، وعن الباقر (ع): نزلت في ابى بكر وأصحابه واحدة مقدّمة وواحدة مؤخّرة لا تأسوا على ما فاتكم ممّا خصّ به علىّ بن ابى طالب (ع) ولا تفرحوا بما آتيكم من الفتنة الّتى عرضت لكم بعد رسول الله (ص) (وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ) عطف على قوله ما أصاب والمقصود انّ عدم الحزن على الفائتة وعدم الفرح قد يكون للاختيال والفخر وليس هذا ممدوحا انّما المدح على ذلك إذا كان للزّهد في الدّنيا ، أو المعنى انّ المصّدّقين المنفقين والمؤمنين كذلك وغير المصّدّقين الّذين يختالون ولا ينقصون من انانيّاتهم ، والّذين يفخرون ولا يؤمنون بالله ورسوله مبغوضون لله فانّه قد تكرّر فيما سبق انّ مفهوم هذه العبارة وان كان اعمّ من كونهم مبغوضين لكنّ المراد بحسب المقام ذلك (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ) بأموالهم واعراضهم وقويهم وانانيّاتهم فلا ينفقون ولا ينقصون من انانيّاتهم فلا ينقادون لله ورسوله (ص) (وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَ) عن الإنفاق والايمان فلا يضرّ الله شيئا (فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُ) الّذى لا حاجة له الى أموالكم واعراضكم وانفاقكم ممّا ينبغي ان ينفق منه (الْحَمِيدُ) الّذى لا حاجة له الى ايمانكم وتصديقكم وتعظيمكم والمقصود من يتولّ عن علىّ (ع) أو عن الله والرّسول (ص) في ولاية علىّ (ع) فانّ عليّا (ع) الّذى هو مظهر الله هو الغنىّ عنه وعن إنفاقه الحميد في نفسه صدّقه مصدّق أو كذّبه ولمّا كان هناك مظنّة ان يسأل أحد : بما يصير الإنسان مؤمنا ومنفقا حتّى لا يتولّى عن الايمان وعن علىّ (ع)؟ ـ فقال تعالى جوابا لهذا السّؤال (لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ) اى بأحكام الرّسالة أو بالمعجزات الدّالّة على صدقهم فمن أراد الايمان فليقبل عليهم (وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ) اى كتاب النّبوّة والكتب التّدوينيّة