هذه الرّؤيا ويؤذى المؤمنين في نومهم ما يغتمّون به ، فأمر جبرئيل فجاء به الى رسول الله (ص) فقال له : أنت الّذى أريت فاطمة (ع) هذه الرّؤيا؟ ـ فقال : نعم يا محمّد (ص) ، فبزق عليه ثلاث بزقات قبيحة في ثلاث مواضع ثمّ قال جبرئيل لمحمّد (ص) : يا محمّد إذا رأيت شيئا في منامك تكرهه أو رأى أحد من المؤمنين فليقل : أعوذ بما عاذت به ملائكة الله المقرّبون وأنبياء الله المرسلون وعباده الصّالحون من شرّ ما رأيت من رؤياى ، ويقرء الحمد والمعوّذتين وقل هو الله أحد ويتفل عن يساره ثلاث تفلات فانّه لا يضرّه ما رأى ، فأنزل الله عزوجل على رسوله (ص) : انّما النّجوى من الشّيطان (الآية) ، وعنه (ص): إذ أرى الرّجل منكم ما يكره في منامه فليتحوّل عن شقّه الّذى كان عليه نائما وليقل : انّما النّجوى من الشّيطان ليحزن الّذين آمنوا وليس بضارّهم شيئا الّا بإذن الله ثمّ ليقل : عذت بما عاذت به ملائكة الله المقرّبون وأنبياؤه المرسلون وعباده الصّالحون من شرّ ما رأيت ومن شرّ الشّيطان الرّجيم ، والمقصود من جميع تلك الآيات منافقوا الامّة وان كان النّزول في غيرهم (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) لمّا أراد ان يأمرهم بأدب من الآداب الّتى يكرهونها ناداهم تلطّفا بهم وجبرانا لكلفة التّأدّب بما يكرهون (إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللهُ لَكُمْ) الفسحة بالضّمّ السّعة ، فسح المكان ككرم وافسح وتفسّح وانفسح فهو فسيح وفسح له كمنع وتفسّح وسّع له (وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا) نشز من باب نصر وضرب ارتفع في مكان وقرئ بهما ، قيل : كانوا يتنافسون في مجلس النّبىّ (ص) حتّى جاء جمع من البدريّين وكان النّبىّ (ص) مكرما لهم فقاموا بين يدي النّبىّ (ص) ولم يكن لهم مجلس يجلسون فيه فقال النّبىّ (ص) : يا فلان ، يا فلان ، يا فلان ، قوموا فقاموا ، وكان ذلك شاقّا على بعض فنزلت يعنى إذا قيل لكم تفسّحوا في المجالس يعنى لا يضمّ بعضكم ببعض حتّى تتأذوا من حرارة الهواء وحرارة الانضمام ، وإذا قيل : وسّعوا في المجالس بان تخلّوا لمن يأتى بعدكم مجلسا بان يضمّ بعضكم ببعض حتّى يخلّى مجلس للآتى ، أو يقوم بعض عن مجلسه بعد زيارته للرّسول (ص) وقضاء ووطره حتّى يجلس في مجلسه من يأتى بعده فافسحوا ، وذكر الغاية المترتّبة على الامتثال تطييبا لنفوسهم فقال : يفسح الله لكم ولم يقيّده بالمجالس إيهاما للتّعميم يعنى يفسح الله لكم في المجالس والأرزاق والصّدور في الدّنيا والآخرة ، وإذا قيل : ارتفعوا وقوموا عن مجالسكم فقوموا ولا تغتمّوا بذلك (يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ) في الدّنيا بحسن الصّيت والإعزاز من الخلق والتّبسّط عليهم وفي الآخرة في درجات الجنان (وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ) خصّص المؤمنين برفع الدّرجات لانّ غير المؤمنين لا درجة ولا رفع درجة لهم لانّ أجر العمل مشروط بالايمان ، وخصّص العلماء من بينهم بالذّكر لشرفهم وعلوّ درجاتهم بالنّسبة الى المؤمنين ، فانّ فضل العالم على سائر النّاس كفضل النّبىّ (ص) على سائر الخلق أو كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب ، والشّفعاء يوم القيامة ثلاثة ؛ الأنبياء (ع) ثمّ العلماء ثمّ الشّهداء ، ويوزن دماء الشّهداء مع مداد العلماء فيرجّح مداد العلماء على دماء الشّهداء (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ) من امتثال أوامره ونواهيه ومخالفتهما (خَبِيرٌ) ترغيب وتهديد (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً) لمّا كان هذا الأدب مكروها لاكثر النّفوس صدّره بالنّداء.
اعلم ، انّ المناجاة هاهنا اعمّ من المسارّة والمحاورة والمسائلة الجهريّة وانّ المتحاورين إذا لم يكونا متناسبين لم تكن المحاورة بينهما مؤثّرة في جانب الآخرة ولا مورثة للتّوافق ولا لنجح المسؤل فانّ المحاورة مع الرّسول (ص) من حيث انّه رسول لا تكون الّا في أمور الآخرة وينبغي ان تكون مقرّبة إليها ، وإذا لم تكن بين المناجى والرّسول (ص)