بغير شهود جماله فانّه ضيف عزيز غيور إذا نظرتم الى غيره أو انصرفتم الى لذّة غير لذّة شهود جماله لم يقم في بيوت قلوبكم وبقي لكم حسرة فراقه وندامته ، أو اتّقوا الله في نسبة الأفعال والصّفات الى أنفسكم حين حضوركم عند ولىّ أمركم (وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ) نكّر النّفس مع انّ المراد ولتنظر كلّ نفس ما قدّمت لغد لإيهام انّه إذا نظر نفس واحدة من المؤمنين الى اعماله يكفى عن سائر المؤمنين لاتّحاد بينهم ، أو للاشارة الى انّهم نفس واحدة وان كان أبدانهم متعدّدة لانّ فعليّتهم الاخيرة هي صورة ولىّ أمرهم النّازلة إليهم بالبيعة وقبول الولاية فعلى هذا يكون المعنى : ولتنظر نفس عظيمة هي صورة ولىّ أمرهم وهي فعليّتهم الاخيرة ما قدّمت لغد ، ويكون فيه اشارة الى انّ من ينظر الى اعماله الاخرويّة فلينظر بالفعليّة الاخيرة الّتى هي فعليّة الولاية حتّى يمكنه ان يميّز بين صحيحها وفاسدها مشوبها وخالصها ، مدّخرها لغده وراجعها الى النّفس والعاجل ، فانّ هذا التّميز امر صعب لا يحصل الّا للنّاقد البصير المخلص ، أو للاشارة الى انّ نفس ولىّ أمرهم نفسيّة الكلّ والمعنى ولتنظر نفس عظيمة ما قدّمت لغد بنفسها فانّ نظرها الى ما قدّمت هي يكفى عن نظر المؤمنين ، أو لتنظر نفس ولىّ الأمر ما قدّمت لغد اى ما قدّمت اتباعها لغد فانّ فعل الاتباع فعلى ولىّ الأمر بوجه ، والمعنى انّ ولىّ الأمر مأمور بان ينظر الى اعمال اتباعه ويجبر نقصانها وقال لغد مع انّ المراد ما قدّمت للقيامة للاشارة الى قربها ، ولانّ المراتب الطّوليّة كالايّام العرضيّة كلّ يجيء بعقب الاخرى وكلّ يخلف الاخرى ولانّ المراتب الطّوليّة كلّ بالنّسبة الى الاخرى يوم وليل باعتبارين كما سبق مكرّرا ، ونكّر الغد لتفخيمه وللاشارة الى انّه لا يمكن تعريفه للمحجوبين بحجاب المادّة ، ولفظة ما نافية ، والجملة صفة لنفس ، أو معلّق عنها العامل ، أو استفهاميّة ومعلّق عنها العامل ، أو موصولة ومفعول لتنظر (وَاتَّقُوا اللهَ) تأكيد لقوله اتّقوا الله أو النّظر منه الى مرتبة اخرى من التّقوى فانّ للتّقوى كما مرّ في اوّل البقرة وأشرنا اليه هاهنا مراتب عديدة مترتّبة ، أو المقصود منه ان تتّقوا الله بعد ما نظرتم الى أعمالكم الاخرويّة وميّزتم سقيمها عن سليمها ومشوبها عن خالصها في ان تفسدوها بالأغراض النّفسانيّة ، أو تشوبوها بالانتفاعات النّفسيّة ولو كانت تلك الانتفاعات القرب من الله أو رضاه أو المقامات الاخرويّة (إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) فيميز المشوب عن الخالص فهو تأكيد للتّقوى وتعليل للأمر بها (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ) مطلقا فلا يعملون لغد ، أو لا تكونوا كالّذين نسوا الله فيما يعملون للآخرة فيجعلونها للدّنيا من حيث لا يشعرون (فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ) الّتى هي جهاتهم الإلهيّة ولطيفتهم الانسانيّة فانّها ذواتهم وأنفسهم الانسانيّة ، وبنسيان أنفسهم ينسون ما ينفعها فلا يفعلون ما يفعلون الّا لأنفسهم الحيوانيّة لا لأنفسهم الانسانيّة فيكونون في الآخرة من الأخسرين أعمالا (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً) ، أو فأنساهم امامهم الّذى هو نفسيّة أنفسهم وبنسيان الامام لا يكون للإنسان الّا الوبال والخسران (أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) تعليل للسّابق (لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ) في مقام التّعليل كانّه قال : نهيناكم عن المماثلة معهم لانّه لا يستوي في القيامة النّاسون لأنفسهم والمتّقون لان النّاسين أصحاب النّار والمتّقين أصحاب الجنّة لكنّه عدل عن المضمر الى هذا الظّاهر لافادة انّهم أصحاب النّار وانّ المتّقين أصحاب الجنّة ، وللاشارة الى علّة عدم الاستواء (أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ) ويستفاد من حصر الفوز بأصحاب الجنّة بقرينة المقابلة انّ أصحاب النّار هم الخاسرون المعذّبون (لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ) مع صلابته وعظمته (لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ) وقد أنزلناه عليكم وأنتم ضعفاء ليّنون وما خشعتم وما تصدّعتم من خشية الله ، وهذه قضيّة فرضيّة وتعريض ببني آدم (وَتِلْكَ الْأَمْثالُ) الفرضيّة (نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) في أحوالهم