الدّنيا ولذلك لا يخافون من الله ويخافون منكم (لا يُقاتِلُونَكُمْ) ايّها المؤمنون (جَمِيعاً) اى المنافقون واليهود إذا اجتمعوا لا يقاتلونكم (إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ) لخوفهم منكم وهذه تجرئة للمؤمنين (أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ) ولكن لالقاء الرّعب في قلوبهم لا يجترءون على مقاتلتكم لا لضعف وجبن فيهم (تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى) كما انّ هذا شأن جميع أهل الدّنيا تكون أبدانهم مجتمعة وقلوبهم متفرّقة (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ) لا عقل لهم ، أو لا يدركون بعقولهم ، أو لا يتعقّلون ما فيه صلاحهم (كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) متعلّق بواحد من الأفعال السّابقة ، أو خبر مبتدء محذوف والتّقدير مثلهم في ذلك كمثل الّذين من قبلهم والمراد بمن قبلهم بنو قينقاع ، أو الّذين قتلوا ببدر أو كلّ أبناء الدّنيا ، فانّ من كان من أهل الدّنيا حاله ان لا يفي بوعده ان لم يكن في الوفاء نفعه الدّنيوىّ وكان من يشاهدونهم اشدّ رهبة في صدورهم ممّن لا يشاهدونه وتحسبهم جميعا وقلوبهم شتّى. قيل : انّ بنى قينقاع نقضوا العهد وقت رجوع رسول الله (ص) من بدر فأمرهم رسول الله (ص) ان يخرجوا قال عبد الله بن ابىّ : لا تخرجوا فانّى أتى الى النّبىّ (ص) فاكلّمه فيكم أو ادخل معكم الحصن ، فكان هؤلاء أيضا مغترّين بإرسال عبد الله بن ابىّ ثمّ ترك نصرتهم (قَرِيباً) اى حالكونهم قريبا منكم أو زمانا قريبا (ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) في الآخرة (كَمَثَلِ الشَّيْطانِ) متعلّق بقوله تعالى: من قبلهم ، أو بذاقوا أو بقوله لهم في لهم عذاب اليم ، أو خبر مبتدء محذوف والتّقدير مثل عبد الله بن ابىّ في غزوه بنى النّضير وبنى قينقاع كمثل الشّيطان (إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ) قولا فعليّا أو قولا نفسانيّا (فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ) الإتيان بالماضي للاشعار بانّ المراد بذلك القول وهذا الإنسان قول شخصىّ وإنسان مشخّص لا القول النّوعىّ والإنسان الجنسىّ ، والّا كان المناسب ان يقول كمثل الشّيطان يقول للإنسان على الاستمرارا كفر ، ولعلّه اشارة الى تمثّله بصورة سراقة وإغراء المشركين على محمّد (ص) ببدر ، وقيل : انّه اشارة الى عابد بنى إسرائيل كان اسمه برصيصا ، عبد الله زمانا من الدّهر حتّى بلغ من عبادته الى ان يؤتى بالمجانين اليه وكان يداويهم ويعوّذهم ، فيبرءون ، وأتى بامرأة كانت في شرف في أهلها قد جنّت وكان لها اخوة فأتوه بها فكانت عنده فلم يزل به الشّيطان حتّى وقع عليها فحملت فلمّا استبان حملها قتلها ودفنها ، فذهب الشّيطان فقال لإخوتها واحدا واحدا ، فجعل الرّجل يلقى أخاه فيقول : والله لقد أتانى آت فذكر لي شيئا يكبر علىّ ذكره ، فذكر بعضهم لبعض حتّى بلغ ذلك ملكهم ، فسار الملك والنّاس فاستذلّوه فاقرّ لهم بما فعل ، فأمر به فصلب ، فلمّا رفع على خشبته تمثّل له الشّيطان فقال : انا الّذى القتيك في هذا فهل أنت مطيعي فيما أقول لك اخلّصك ممّا أنت فيه؟ ـ قال : نعم ، قال : اسجد لي سجدة واحدة فقال : كيف اسجد لك وانا على هذه الحالة؟ ـ فقال : اكتفى منك بالإيماء ، فأومى له بالسّجود فكفر بالله وقتل الرّجل (فَكانَ عاقِبَتَهُما) اى الشّيطان والإنسان الكافر بقوله أو عاقبة الفريقين من الممثّل له والممثّل به (أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) بالبيعة الاسلاميّة (اتَّقُوا اللهَ) في ارتكاب المناهي وترك الأوامر القالبيّة ، أو اتّقوا الله في نقض البيعة ونقض العهد كعبد الله بن ابىّ وبنى النّضير وبنى قينقاع ، أو اتّقوا الله في شوب الأعمال القالبيّة بالأغراض النّفسانيّة المباحة أو الغير المباحة ، أو المعنى يا ايّها الّذين آمنوا بالبيعة الايمانيّة الولويّة اتّقوا الله في الانحراف عن طريق القلب أو اتّقوا الله في نسيان الذّكر المأخوذ ، أو في نسيان الله في جميع أعمالكم ، أو المعنى يا ايّها الّذين آمنوا بالايمان الشّهودىّ بشهود ملكوت ولىّ الأمر ونزول السّكينة والحضور عند ولىّ أمركم اتّقوا الله في الالتفات الى غير ولىّ أمركم والالتذاذ