من غنائم أهل القرى أو غنائم بنى النّضير ، أو ممّا أوتوا من الفضل الصّورىّ والمعنوىّ لتسليمهم لقسم الله وتوكّلهم على الله ورضاهم بما آتى الله العباد من الفضل الصّورىّ والمعنوىّ ، أو لا يجدون في صدورهم حاجة في شيء من الأشياء لأجل ما أوتوا من قوّة اليقين وقوّة التّوكّل واستغناء القلب فيكون حينئذ مرفوع أوتوا راجعا الى الّذين تبوّؤا الدّار (وَيُؤْثِرُونَ) المؤمنين المهاجرين (عَلى أَنْفُسِهِمْ) بان يقدّموا المؤمنين في حظوظهم النّفسانيّة وفي إفضال الله بحسب الظّاهر والباطن (وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ) فقر وحاجة (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ) يعنى من حفظه الله من شحّ نفسه والشّحيح أبلغ من البخيل فانّ البخيل من يبخل بما في يده ولا يعطيه لمستحقّه ، والشّحيح من يبخل بمال الغير بمعنى انّه يريد ان يكون ما في يد الغير له ويحتال في أخذ ما في يد الغير بالحلال أو الحرام ، وقيل : شحّ النّفس هو أخذ الحرام ومنع الزّكاة (فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) روى انّه جاء رجل الى رسول الله (ص) فشكا اليه الجوع فبعث رسول الله (ص) الى بيوت أزواجه فقلن : ما عندنا الّا الماء ، فقال رسول الله (ص) : من لهذا الرّجل اللّيلة؟ ـ فقال علىّ بن ابى طالب (ع): انا له يا رسول الله (ص) ، وأتى فاطمة (ع) فقال لها : ما عندك يا ابنة رسول الله؟ ، فقالت : ما عندنا الّا قوت العشيّة لكنّا نؤثر ضيفنا ، فقال يا ابنة محمّد (ص) نوّمى الصّبية وأطفئي المصباح ، فلمّا أصبح علىّ (ع) غدا على رسول الله (ص) فأخبره الخبر فلم يبرح حتّى انزل عزوجل : ويؤثرون على أنفسهم (الآية) ، وقيل : انّه أهدي لبعض الصّحابة رأس مشويّ وكان مجهودا فوجّه به الى جار له فتداولته تسعة ثمّ عاد الى الاوّل فنزل : ويؤثرون على أنفسهم. وقيل: قال رسول الله (ص) يوم بنى النّضير للأنصار : ان شئتم قسّمتم للمهاجرين من أموالكم ودياركم وتشاركونهم في هذه الغنيمة ، وان شئتم كانت لكم دياركم وأموالكم ولم يقسّم لكم شيء من الغنيمة فقال الأنصار : بل نقسّم لهم من أموالنا وديارنا ونؤثرهم بالغنيمة ولا نشاركهم فيها ، فنزلت الآية. وقيل : نزلت في سبعة عطشوا في يوم أحد فجيء بماء يكفى لأحدهم فقال واحد منهم : ناول فلانا حتّى طيف على سبعتهم وماتوا ولم يشرب أحد منهم ، فأثنى الله سبحانه عليهم بهذه الآية. (وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ) عطف على المهاجرين ، أو على الفقراء ، أو على من هاجر إليهم عطف المفرد ، أو مبتدأ وخبره يقولون والمعنى الّذين يجيئون من بعد المهاجرين من مكّة أو من سائر البلاد ، أو الّذين يجيئون من بعد المهاجرين والأنصار من سائر المؤمنين من العدم الى الوجود (يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ) اى سبقونا في رتبة الايمان أو سبقونا في أصل الايمان والتّوصيف به لبيان وجه الأخوّة وانّها اخوة في الدّين (وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا) اى حقدا (لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) تجيب عبادك برأفتك (أَلَمْ تَرَ) يا محمّد (ص) أو من يمكنه الرّؤية (إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا) وهو عبد الله بن ابىّ (يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) يعنى بنى النّضير (لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ) من دياركم (لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً) يعنى لا نطيع محمّدا (ص) وأصحابه في القتال معكم (وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ) وكان كذلك حيث وعدهم ابن ابىّ ثمّ تخلّف كما مضى (وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ) قضيّة فرضيّة فانّه لم يقع منهم نصر لهم (لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللهِ) لانّهم لا يخافون من الله ويخالفونه ويخافون منكم ويوافقونكم (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) لا يعلمون علما دينيّا اخرويّا وكان ادراكاتهم محصورة على ظاهر