رسول الله (ص) كان إذا صلّى الغداة يدخل على أزواجه واحدة واحدة وكان إذا دخل على حفصة حبسته وأحضرت العسل له وانّ عائشة أنكرت احتباسه عندها ، فتواطئت مع بعض أزواجه انّه إذا دخل النّبىّ (ص) عليهنّ يقلن متّفقات : انّا نجد منك ريح المغافير (١) ، فلمّا دخل الرّسول على كلّ قلن ذلك ، فقال الرّسول (ص) : لا اشرب العسل بعد ذلك ، وقيل : كانت زينب بنت جحش تحبس النّبىّ (ص) فتواطئت عائشة مع بعض أزواجه ان يقلن ذلك لما علمن انّه كان يشرب عند زينب العسل (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً) حديث خلافة ابى بكر وعمر ، أو حديث تحريم مارية وأمرها بكتمانه (فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ) عائشة به (وَأَظْهَرَهُ اللهُ) اى أظهر اخبارها لعائشة (عَلَيْهِ) على محمّد (ص) (عَرَّفَ) تلك الزّوج المأمورة بالكتمان (بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ) كما مضى (فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ) حفصة (مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ) ثمّ خاطب الله على لسان جبرئيل ومحمّد (ص) حفصة وعائشة فقال : (إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ) من إفشاء ما امرتما بكتمانه أو من همّتكما لسمّه (فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما) الفاء سببيّة والجزاء محذوف يعنى ان تتوبا الى الله لأجل ميل قلوبكم عن الحقّ والى خلاف محمّد (ص) الّذى ينبغي التّوبة منه كان خيرا لكما فقد صغت قلوبكما ، أو الفاء للجزاء وقوله : قد صغت قلوبكما قائم مقام الجزاء والمعنى ان تتوبا الى الله كان واجبا عليكما التّوبة لانّه قد صغت قلوبكما ، وجمع القلوب لما عليه العرب من انّه إذا أضيف تثنية الى تثنية أتى بالتّثنية الاولى بصورة الجمع كراهة الاجتماع بين التّثنيتين ، وللاشعار بانّ لكلّ منهما قلوبا متعدّدة ، والآية باتّفاق المفسّرين من الخاصّة والعامّة في عائشة وحفصة (وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ) والمراد بصالح المؤمنين علىّ بن ابى طالب (ع) قيل : انّه سئل عمر بن الخطّاب من اللّتان تظاهرتا على رسول الله (ص)؟ ـ فقال : عائشة وحفصة ، وعن الباقر (ع) قال : لقد عرّف رسول الله (ص) عليّا (ع) أصحابه مرّتين ، امّا مرّة فحيث قال : من كنت مولاه فعلىّ (ع) مولاه ، وامّا الثّانية فحيثما نزلت هذه الآية أخذ رسول الله (ص) بيد علىّ (ع) وقال : يا ايّها النّاس هذا صالح المؤمنين ، وقد ورد الرّواية بطريق العامّة والخاصّة انّ المراد بصالح المؤمنين علىّ بن ابى طالب (ع) (عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ) الإتيان بالايمان بعد الإسلام للاشارة الى انّ الايمان غير الإسلام فليكن الطّالب للآخرة طالبا للايمان بعد الإسلام (قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ) قيل : المراد منه الصّائمات ، لقول النّبىّ (ص): سياحة أمّتي الصّيام ، فانّ الصّوم عن مشتهيات النّفس اطلاق للنّفس ، وفي إطلاقها سياحة لها في ملك الرّبّ ، وقيل : المراد به ماضيات في امر الله وطاعته ، وقيل : مهاجرات الى رسول الله (ص) (ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً) أتى بالعاطف لانّهما بمنزلة صفة واحدة (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) بالبيعة العامّة النّبويّة ، أو بالبيعة الخاصّة الولويّة (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ) وقاية الشّخص لنفسه من النّار بحفظه لها عن اتّباع الشّهوات والغضبات والحيل الشّيطانيّة ، ووقايته لاهليه بأمرهم بالمعروف وتعليمه لهم ونهيهم عن المنكر وتعليمه لهم وترغيبهم في الخيرات وتحذيرهم عن الشّرور واعلامهم بما هو غاية الغايات ونهاية النّهايات من الولاية واتّباع ولىّ الأمر ، عن الصّادق (ع): لمّا نزلت هذه الآية جلس رجل من المسلمين يبكى وقال : عجزت عن نفسي كلّفت أهلي ، فقال رسول الله (ص) : حسبك ان تأمرهم بما تأمر به نفسك وتنهاهم عمّا تنهى عنه نفسك ، وبهذا
__________________
(١) المغافر كمنابر والمغافير صمغ شجر فيه حرقة كريه الريح ، الواحد مغفر كمنبر ومغفر بضمتين ومغفور بزيادة الواو على الضمتين ، ومغفار ومغفير بكسرهما.