السّامع لم يبق في الأغلب الى آخر عمره ، ولو بقي لم يبق بعده بخلاف كتاب القلم كما قيل : انّ البيان بيانان ، بيان اللّسان وبيان البنان ، وبيان اللّسان تدرسه الأعوام ، وبيان الأقلام باق على مرّ الايّام ، وبالقلم يحفظ احكام الأديان وبه يستقيم أمور العالمين كما قيل : انّ قوام الدّنيا بشيئين ، القلم والسّيف ، والسّيف تحت القلم ، وقد قيل :
ان يخدم القلم السّيف الّذى خضعت |
|
له الرّقاب ودانت حذره الأمم |
كذا قضى الله للاقلام مذ برئت |
|
انّ السّيوف لها مذ أرهفت خدم |
وروى انّ المراد به القلم الأعلى الّذى سطر ما كان وما هو كائن وهو ملك من الملائكة (وَما يَسْطُرُونَ) اقسم بالمسطورات أو بالملائكة الّذين يسطرون ما كان وما هو كائن أو الملائكة الّذين يسطرون أحوال الارضيين ، أو كتّاب الأعمال الّذين يسطرون اعمال بنى آدم ، أو النّاس الّذين يسطرون الكتب السّماويّة والأحكام الإلهيّة والشّرائع الحقّة والفنون والصّناعات المعاشيّة والدّيون والمعاملات والمحاسبات الخلقيّة (ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ) بنعمة ربّك حال والباء للمصاحبة ، والعامل فيها معنى النّفى ، أو للسّببيّة ومتعلّقة بمعنى النّفى (وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً) على التّبليغ وتحمّل مشاقّه (غَيْرَ مَمْنُونٍ) اى غير مقطوع أو غير ممنون به عليك (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) الخلق بالضّمّ وبالضّمّتين السّجيّة والطّبع والمروءة والدّين ، والكلّ مناسب هاهنا ، ولكنّ المراد هو السّجيّة ، فانّ المقصود انّك على خلق تتحمّل به كلّ ما يرد عليك ممّا يغيّر غيرك إذا ورد عليه ولا يغيّرك لا ظاهرا ولا باطنا ، ومثل ذلك الخلق لا يكون الّا عن دين عظيم هو ولاية علىّ (ع) وهي الولاية المطلقة ، فانّ من ترقّى عن مقام البشريّة ووصل الى مقام الولاية المطلقة يتبدّل جميع أوصافه الرّذيلة الّتى هي الأخلاق الحيوانيّة والرّذائل النّفسانيّة بالأوصاف الملكيّة الّتى هي الخصائل الحسنة ومنها المروّة الكاملة ، وسبب الكلّ هو الطّبع الكامل والمزاج المعتدل وقد فسّر في الاخبار بالدّين والإسلام ، وعن الصّادق (ع) : انّ الله عزوجل ادّب نبيّه (ص) فأحسن أدبه فلمّا أكمل له الأدب قال : انّك لعلى خلق عظيم ، وفي خبر انّ الله ادّب نبيّه (ص) فأحسن تأديبه فقال : خذ العفو وامر بالعرف واعرض عن الجاهلين ، فلمّا كان ذلك انزل الله انّك لعلى خلق عظيم (فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ) الباء بمعنى مع ، والمفتون بمعنى المصدر ، أو المفتون اسم مفعول ، والمعنى بأيّكم العقل المفتون ، أو هو من باب التّجريد اى مع ايّكم الرّجل المفتون ، أو الباء زائدة ، أو بمعنى في والمعنى في اىّ الفريقين منكم المفتون ، روى عن الباقر (ع) انّه قال : قال رسول الله (ص) : ما من مؤمن الّا وقد خلّص ودّى الى قلبه ، وما خلّص ودّى الى قلب أحد الّا وقد خلّص ودّ علىّ (ع) الى قلبه ، كذب يا عليّ من زعم انّه يحبّنى ويبغضك ، فقال رجلان من المنافقين : لقد فتن رسول الله (ص) بهذا الغلام فأنزل الله تبارك : فستبصر ويبصرون بايّكم المفتون ، قال : نزلت فيهما (الى آخر الآيات) (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ) الّذى هو ولاية علىّ (ع) والضّالّ عن سبيل الولاية هو المجنون حقيقة (وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) الى الولاية (فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ) لله أو لك في علىّ (ع) أو لعلىّ (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ) المداهنة والادهان إظهار خلاف ما تضمر والغشّ (فَيُدْهِنُونَ) والمعنى ودّوا ادهانك وغشّك أو نفاقك أو مداراتك معهم بخلاف ما أضمرت فيدهنون بعدك أو ودّوا ادهانك بسبب انّهم يدهنون على الاستمرار ، وقال القمّى : اى احبّوا ان تغشّ في علىّ (ع) فيغشّون معك (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ) تأكيد للاوّل وتبديل للمكذّبين بالأوصاف الاخر ذمّا لهم بجميع ذلك فانّ كلّ كذّاب يكون كثير الحلف ، وكلّ كثير الحلف يكون مهينا عند الخلق وعند الله ، فانّ كثرة الحلف لا تكون الّا من كون الحالف مهينا لا يقبل منه ،