والاستهزاء (مَعَ الْخائِضِينَ) في ذلك (وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ) بالموت وكشف الحجب (فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ) لقطعهم الفطرة الّتى هي الولاية التّكوينيّة الّتى هي سبب للولاية التّكليفيّة ولذلك قيل : «مردود شيخي را اگر تمام مشايخ عالم جمع شوند وخواهند إصلاح نمايند نتوانند» لانّ المردود لا يصير مردودا الّا بعد قطع الفطرة والولاية التّكوينيّة وهو الّذى يسمّى بالمرتدّ الفطري الّذى لا يقبل توبته لا ظاهرا ولا باطنا ، وقد سبق بيان الارتداد والمرتدّ الملّىّ والفطرىّ في سورة آل عمران عند قوله تعالى : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) (فَما لَهُمْ) يعنى إذا كان الولاية ذكرى للبشر وكانت هي احدى الكبر فما لهم (عَنِ) هذه (التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ) اى عن الولاية (كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ) بالغة في النّفار (فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ) من أسد ، التّوصيف لزيادة المبالغة (بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً) ناطقة بصدق محمّد (ص) في نبوّته أو في ولاية علىّ (ع) وهو اضراب من الأدنى الى الأعلى ، يعنى بل ما لهم لا يكتفون بالاعراض ويدّعون ما لا يليق بشأنهم ، وقيل : المعنى يزيدون صحفا من الله بالبراءة من العقوبة وإسباغ النّعمة حتّى يؤمنوا ، وقيل : يريد كلّ منهم ان يكون رسولا يوحى اليه وينزّل عليه كتاب مثل القرآن ، وقيل : المراد معنى قوله تعالى : (لَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ) (كَلَّا) ردع عن هذه الارادة أو عن ظنّ انّهم يريدون ذلك واقعا (بَلْ لا يَخافُونَ الْآخِرَةَ) اى ليس اقتراحهم لطلب الدّين بل لا يخافون الآخرة فيعاندون ويريدون إظهار عجز الرّسول (ص) عن مقترحهم (كَلَّا) ردع عن ذلك الاعراض وتلك الارادة (إِنَّهُ) اى قرآن ولاية علىّ (ع) أو عليّا (ع) بنفسه (تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ وَما يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) يعنى انّ مشيّتكم وذكركم وجميع أفعالكم مسبوقة بمشيّة الله التّكوينيّة سواء كانت مرضيّة لله أو مبغوضة فانّ مشيّته الّتى هي عبارة عن رحمته الرّحمانيّة سابقة على رضاه وغضبه وبمنزلة المادّة لهما (هُوَ أَهْلُ التَّقْوى) حقيق بان يتّقى منه (وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ) فانّ مغفرته غير مشوبة بغرض وغاية بخلاف غيره لعدم خلوص مغفرته عن شوب غرض وغاية.
سورة القيامة
مكّيّة ، وهي أربعون آية.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) لفظة لا مزيدة للتّأكيد أو جواب ونفى لاعتقادهم لعدم البعث ، أو نفى للقسم والمعنى لا اقسم بيوم القيامة لانّكم لا تعتقدونه ، ولا اقسم بالنّفس اللّوّامة لعدم اعتقادكم لها.
اعلم ، انّ النّفس ذات أنواع وأصناف كثيرة وكلّ فرد منها ذات مراتب ودرجات عديدة ، والنّفس الانسانيّة ذات مراتب ، فمرتبة منها تسمّى بالامّارة وهي الّتى تكون محكومة وخادمة للشّيطنة والغضب والشّهوة ولا تكون الّا أمّارة بالسّوء ، ومرتبة منها تسمّى باللّوّامة وهي الّتى تلوم نفسها في جميع فعالها في سيّئاتها لسوئتها وفي خيراتها