اى من عالم امره ، أو من امره الّذى هو كلمة كن الوجوديّة ، وهي المشيّة الّتى هي فعله وكلمته وأمره (عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ) اى يوم تلاقى أهل الأرض وأهل السّماء ، أو تلاقى المحسن والمسيء ، أو تلاقى ـ الاحبّاء ، أو تلاقى المظلوم والظّالم ، أو تلاقى المسرع والبطيء وتلاحق الكلّ ، أو تلاقى الاتباع والمتبوعين وهو يوم القيامة (يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ) عند الله من قبورهم أو من استارهم الّتى هي عبارة عن حدودهم وتعيّناتهم لانّهم يخرجون يومئذ من جميع التّعيّنات والحدود ولذلك قال : (لا يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ) من أعمالهم وأقوالهم وأحوالهم ومراتب وجودهم ودقائقها يعنى يظهر على الخلق انّهم كانوا على الدّوام بارزين عند الله وكانوا لا يخفى على الله منهم شيء (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ) بتقدير القول وحكاية لما يقوله تعالى في ذلك اليوم لهم ، أو ابتداء كلام منه واخبار بانّه لم يكن في ذلك اليوم أحد مالكا لشيء (لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) جواب منه لسؤاله (الْيَوْمَ تُجْزى) تكرار اليوم لتمكين ذلك اليوم في القلوب تهديدا منه وترغيبا اليه (كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ) بنقص ثواب أو زيادة عقاب (إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) جواب سؤال مقدّر كأنّه قيل : النّفوس البشريّة غير متناهية فكيف يمكن محاسبة الكلّ في يوم واحد؟ ـ فقال : (إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) يحاسب الكلّ في وقت واحد لانّه لا يشغله شأن عن شأن ولا ـ حساب عن حساب ، عن أمير المؤمنين (ع): الميم ملك الله يوم لا مالك غيره ويقول الله لمن الملك اليوم؟ ـ ثمّ تنطق أرواح أنبيائه ورسله وحججه فيقولون : (لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) ، فيقول الله جلّ جلاله : اليوم تجزى (الآية) وعنه (ع): انّه سبحانه يعود بعد فناء الدّنيا وحده لا شيء معه كما كان قبل ابتدائها كذلك يكون بعد فنائها بلا وقت ولا مكان ولا حين ولا زمان عدمت عند ذلك الآجال والأوقات ، وزالت السّنون والسّاعات ، فلا شيء الّا الواحد القهّار الّذى اليه مصير جميع الأمور بلا قدرة منها كان ابتداء خلقها ، وبغير امتناع كان فناؤها ، ولو قدرت على الامتناع لدام بقاؤها (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ) الآزفة اسم يوم القيامة لقربها فيكون اضافة اليوم اليه مثل اضافة العامّ الى الخاصّ (إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ) من شدّة الخوف والوحشة فانّه وقت الخوف والاضطراب يتحرّك القلوب من مواضعها كأنّها تبلغ الحناجر (كاظِمِينَ) حال من القلوب أو المستتر في الظّرف ، ونسبة الكظم الى القلوب امّا مجاز عقلىّ أو لتشبيه ـ القلوب بالعقلاء (ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ) قريب ينفعهم ويدفع عنهم (وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ) توصيف الشّفيع للاشعار بانّ الشّفيع إذا لم يكن مطاعا لا ينفع شفاعته فكأنّه لم يكن شفيعا ، وليس المقصود انّه قد يكون لهم شفيع غير ـ مطاع (يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ) الخائنة مصدر مثل الكاذبة أو وصف والمعنى يعلم العين الخائنة من الأعين ، وخيانة العين عبارة عن النّظر الى ما لا يحلّ لها النّظر اليه ، أو كناية عن نظرها الى شيء بحيث لا يظهر نظرها على أحد أو كناية عن الاشارة بالعين ، وقيل : كناية عن قول الرّجل : ما رأيت وقد رأى ، أو رأيت وما رأى ، أو عبارة عن النّظرة الثّانية الّتى هي عليك كما في الخبر : النّظرة الاولى لك والثّانية عليك (وَما تُخْفِي الصُّدُورُ) من العزمات والنّيّات والخطرات الّتى لم تظهرها لأحد ، أو من القوى والاستعدادات الّتى لم يطّلع صاحبوا القلوب عليها فكيف بغيرهم (وَاللهُ يَقْضِي بِالْحَقِ) عطف بمنزلة النّتيجة كأنّه قال : إذا كان الله ذا العرش يعنى كان مالك جملة الخلق وكان واحدا قهّارا ليس يعجز عن شيء ولا يخفى منهم عليه شيء ولم يكن منه ظلم على أحد وكان عالما بجميع الخلائق بتمام اوصافهم وأحوالهم وقواهم واستعداداتهم فهو يقضى بالحقّ بينهم لا غيره وعلى التّفاسير السّابقة للآيات السّابقة فالمعنى انّ عليّا (ع) الّذى هو مظهر الهة الله يقضى بالحقّ (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ) اى يدعونهم (مِنْ دُونِهِ) وهم