سورة الدهر
واعلم ، أيضا انّ الشّاربين للخمر الخبيثة المحرّمة لهم حالات وبحسب اختلافهم في الحالات يختلف شربهم للخمر الصّوريّة فانّه قد يغلب الحرارة على مزاجهم ، وقد يغلب البرودة ، وقد يعتدل أمزجتهم ، وبحسب اختلاف تلك الأحوال قد يمزجون بشرابهم الكافور وقد يمزجون الزّنجبيل وقد يشربونها خالصا وقد يشربون شرابا خالصا ليذهب بأذى الخمر وكسالة سكره ، ويسمّى بالطّهور والغسّال ، وللسّالكين الى الله أيضا أنواع من الشّراب المعنوىّ الرّوحانىّ فانّه قد يغلب عليهم برد السّلوك فيسقيهم ربّهم شرابا زنجبيليّا يسخّنهم ويزيد في حرارة شوقهم وطلبهم ، وقد يغلب عليهم حرارة الشّوق فيسقيهم ربّهم شرابا كافوريّا ليعتدل سخونة اشتياقهم ببرد كافور السّلوك ، وقد يسقيهم شرابا خالصا غير ممزوج إذا كانوا في السّلوك والجذب معتدلين ، وقد يسقيهم شرابا طهورا يغسّلهم من نسبة الأموال والأفعال والصّفات الى أنفسهم بل من انانيّاتهم وهذه الأحوال تطرو عليهم في الآخرة وفي الجنّات (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ) النّذر ما أوجبه الإنسان على نفسه بشرط أو بغير شرط ، والمراد به العهد الّذى كان في ضمن البيعة العامّة أو الخاصّة والوفاء بهذا النّذر يستلزم الوفاء بجميع العهود والشّروط (وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً) اى متفرّقا غاية التّفرّق وفي الخبر كلوحا عابسا ، وقيل : عظيما (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً) بل أطعمناكم ابتغاء لمرضاة الله (إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً) كريها يعبس فيه الوجوه (قَمْطَرِيراً) شديد العبوس قد روى كثيرا من العامّة والخاصّة انّ الآيات الى قوله : وكان سعيكم مشكورا نزلت في علىّ (ع) وفاطمة (ع) والحسن (ع) والحسين (ع) وجارية لهم تسمّى فضّة ، والاخبار الواردة مختلفة بحسب الألفاظ مجمل مضمون أكثرها واشهرها انّه مرض الحسن (ع) والحسين (ع) فنذر هو وفاطمة (ع) وفضّة صوم ثلاثة ايّام ان شفاهما الله فبرئا واستقرض علىّ (ع) ثلاثة أصوع من الشّعير من يهودىّ أو آجر نفسه يهوديّا ليغزل له صوفا وأخذ ثلاثة أصوع من الشّعير فصاموا وطحنت فاطمة (ع) صاعا منها واختبزته وصلّى علىّ (ع) المغرب وقرّبته إليهم فأتاهم مسكين يدعو لهم وسألهم ، فأعطوه ولم يذوقوا الّا الماء ، فلمّا كان اليوم الثّانى اختبزت صاعا آخر منها وقرّبته وقت الإفطار إليهم ، فاذا يتيم بالباب يستطعم ، فأعطوه ولم يذوقوا الّا الماء ، فلمّا كان اليوم الثّالث جاء أسير يستطعم ، فأعطوه ولم يذوقوا الّا الماء ، فلمّا كان اليوم الرّابع وقد قضوا نذورهم أتى علىّ (ع) ومعه الحسن (ع) والحسين (ع) الى النّبىّ (ص) وبهما ضعف فبكى رسول الله (ص) ونزل جبرئيل بسورة هل أتى ، وفي بعض الاخبار فرآهم النّبىّ (ص) جياعا فنزل جبرئيل ومعه صحفة من الذّهب مرصّعة بالدّرّ والياقوت مملوّة من الثّريد وعراق (١) يفوح منها رائحة المسك والكافور فجلسوا وأكلوا حتّى شبعوا ولم ينقص منها لقمة واحدة ، وخرج الحسن (ع) والحسين (ع) ومع الحسين قطعة عراق فنادته يهوديّة : يا أهل البيت الجوع من أين لكم هذه؟ أطعمنيها ، فمدّ يده الحسين (ع) ليطعمها فهبط جبرئيل وأخذها من يده ورفع الصحفة الى السّماء ، فقال (ص) : لو لا ما أراد الحسين (ع) من إطعام الجارية تلك القطعة لتركت تلك الصحفة في أهل بيتي يأكلون منها الى يوم القيامة (فَوَقاهُمُ اللهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً) في الوجوه (وَسُرُوراً) في القلوب (وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ) الاريكة السّرير في حجلة وكلّ ما يتّكأ عليه من سرير وغيره ، أو سرير منجّد في قبّة أو بيت (لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً) يعنى لا يرون حرّا ولا بردا بل يكونون في هواء معتدل (وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها) اى قريبة منهم افياؤها أو دائمة عليهم افياؤها ، ومعنى دنوّ الظّلال دنوّ المظلّة منهم ، أو الظّلال هاهنا جمع الظّلة بالضّمّ
__________________
(١) العرق العظم الّذى أخذ عنه اللحم ، والجمع عراق بالضّمّ.