انانيّة النّفس (وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً) اى بعضا طويلا من اللّيل ، أو ليل الطّبع الّذى طوله بقدر العمر ، عن الرّضا (ع): انّ هذا التّسبيح هو صلوة اللّيل وقد فسّر قوله : بكرة وأصيلا ، بصلوة الغداة والظّهرين وقوله ومن اللّيل فاسجد له ، بالعشائين ، وقوله : وسبّحه ليلا طويلا ، بالتّهجّد في طائفة طويلة من اللّيل (إِنَّ هؤُلاءِ) المشركين أو المنافقين الممتنعين من ولاية علىّ (ع) (يُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ) ولذلك لا يأتمرون بأمر الله ولا بأمر نبيّه (ص) ولا ينقادون لنبيّه (ص) ولا وصيّه (وَيَذَرُونَ وَراءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً) يعنى امامهم لكنّه تعالى عبّر بورائهم للاشعار بانّهم منكوسون مقبلون على الدّنيا الّتى هي مدبرة عنهم ومدبرون عن الآخرة الّتى هي مقبلة عليهم ، والمراد بثقله ثقل حسابه وثقل شدائده وثقل حسّابه (نَحْنُ خَلَقْناهُمْ وَشَدَدْنا أَسْرَهُمْ) اى خلقهم أو مفاصلهم بالاعصاب والأوتار أو الياف المعدة والمثانة حتّى صارتا باختيار صاحبهما (وَإِذا شِئْنا بَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ) باذهابهم وجعل أولادهم أخلافهم ، أتى بإذا لتحقّق وقوعه (تَبْدِيلاً إِنَّ هذِهِ) اى ولاية علىّ (ع) ، أو قرآن ولايته ، أو هذه السّورة الّتى فيها ذكر الولاية (تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً وَما تَشاؤُنَ) لمّا أوهم قوله تعالى فمن شاء استقلالهم بالمشيّة رفع ذلك فقال وما تشاؤن (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ).
اعلم ، انّه لا يكون شيء من المكوّنات ومن افعال العباد وأخلاقهم وإراداتهم ومشيّاتهم الّا بمباد سبعة ، بمشيّة من الله ، وارادة منه ، وقدر منه سبحانه وقضاء واذن وأجل وكتاب وانّ المشيّة هي إضافته الاشراقيّة الّتى هي فعله وكلمته ، وانّ كلّ شيء من المبدعات والمنشئات والمخترعات والمكوّنات قوام وجوده مشيّة الله ، وانّ مشيّة الله غير محبّته ورضاه ، وانّ الرّضا والسّخط بمنزلة صورة للمشيّة ، والمشيّة كالمادّة وانّ مشيّة العباد هي مشيّة الله بضميمة خصوصيّة الاضافة الى العباد فمعنى ما تشاؤن الّا ان يشاء الله الّا في حال ان يشاء الله ، أو بسبب ان يشاء الله ، أو لان يشاء الله ، وامّا جعل ان يشاء الله مفعولا لتشاءون فبعيد بحسب الظّاهر وان كان له معنى صحيح بحسب دقيق النّظر ، لانّ كلّ ما يشاؤه العباد فهو متقوّم بمشيّة الله بل هو عين مشيّة الله الّتى صارت بحسب الاضافة محدودة بحدود الممكنات ، وقد مضى بيان وأف لكون مشيّة الله وإرادته عين مشيّة العباد وإراداتهم من غير لزوم جبر وتسخير عند قوله تعالى : (وَلكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ) ، من سورة البقرة (إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً) فبعلمه بدقائق الصّنع ومصالح المصنوع جعل مشيّته عين مشيّة العباد (حَكِيماً) بحيث لطف في هذا الصّنع لطفا لا يدركه أحد بل يتوهّمون ضدّه ويقولون : انّ الله فوّض أمور العباد وأفعالهم إليهم (يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ) اى من يحبّ ويرضاه (وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً).
سورة المرسلات
مكّيّة ، خمسون آية.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً) قد فسّرت بالملائكة المرسلة المتتابعة لتعذيب أهل الدّنيا وجحيم النّفس أو الملائكة