بتقدير القول (وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً) يعنى في الدّنيا (إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ) تعليل للتّهديد المستفاد من قوله تعالى : كلوا وتمتّعوا (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ وَإِذا قِيلَ لَهُمُ) عطف على مجرمون ، أو حال والتفات من الخطاب (ارْكَعُوا) اى صلّوا كما قيل : انّها نزلت في ثقيف حين أمرهم رسول الله (ص) بالصّلوة فقالوا : لا ننحنى فانّ ذلك سبّة (١) علينا ، أو تواضعوا وانقادوا (لا يَرْكَعُونَ) أو المعنى إذا قيل لهم اسجدوا في القيامة لا يقدرون على السّجود كما قال تعالى : ويدعون الى السّجود فلا يستطيعون (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ) اى بأىّ حديث بعد القرآن أو بعد ما حدّثتك به من امر الآخرة والحشر والحساب والثّواب والعقاب ، أو بعد حديث الولاية ، أو بعد هذا اليوم يؤمنون؟!
الجزء الثّلاثون
سورة النّبا
ويسمّى سورة عمّ وسورة المعصرات وسو التّساؤل مكّيّة كلّها ، احدى وأربعون آية.
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
(عَمَّ يَتَساءَلُونَ) استفهام لتفخيم المسؤل عنه كانوا يتساءلون بينهم عن المبدء وصفاته وعن القيامة وعلاماته ، وعن البعث وثوابه وعقابه ، أو كانوا يتساءلون عن الولاية بعد ما أشار الرّسول (ص) إليها فانّها النّبأ العظيم الّذى يقع الاختلاف فيه ، وانّها النّبأ الّذى ينبغي ان يهدّد النّاس في تركها لانّها الفارقة بين أهل الجنّة والنّار فانّ القابل لها إذا وصل بها الى الآخرة يدخل الجنّة من غير ريب ، والخارج منها إذا خرج بالخروج منها الى الآخرة يدخل النّار ، فانّه لو عبد الله عبد سبعين خريفا يدخل الجنّة من غير ريب ، والخارج منها إذا خرج بالخروج منها الى الآخرة يدخل النّار ، فانّه لو عبد الله عبد سبعين خريفا تحت الميزاب قائما ليله صائما نهاره ولم يكن له ولاية علىّ بن ابى طالب (ع) لأكبّه الله على منخريه في النّار وانّ الله لا يستحيي ان يعذّب أمّة دانت بامامة امام جائر ، وان كانت الامّة في أعمالها بررة ، وانّ الله ليستحيي ان يعذّب أمّة دانت بامامة امام عادل وان كانت الامّة في أعمالها فجرة ، وسئل الباقر (ع) عن تفسير عمّ يتساءلون فقال : هي في أمير المؤمنين (ع) ، وبهذا المضمون اخبار كثيرة منهم (ع) (عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ) بدل عن عمّ بتقدير حرف الاستفهام ، أو متعلّق بمحذوف وجواب من الله أو متعلّق بيتساءلون وعمّ متعلّق بمحذوف يفسّره المذكور (الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ كَلَّا) عن الاختلاف ، فانّه امر لا ينبغي ان يختلف فيه ، أو عن الإنكار المستفاد من الاختلاف ، فانّ الاختلاف لا يكون الّا بالإقرار والإنكار (سَيَعْلَمُونَ) حين رفع الحجب عن الأبصار عند الموت أو القيامة الكبرى (ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ) تأكيد للاوّل ، وتخلّل ثمّ للمبالغة في التّأكيد (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً) جواب لسؤال مقدّر كأنّه قيل : الم يجعل الله دليلا لعباده على الولاية؟ أو على الحشر والحساب والثّواب والعقاب؟ ـ أو قال : الم يجعل لهم وليّا؟ أو الم يكن لهم حشر وحساب؟ ـ فقال : كيف لم نجعل لهم دليلا على
__________________
(١) اى عار